القاهرة | على رغم النصّ الدستوري باستقلالية «الهيئة الوطنية للانتخابات» في مصر، فإن الهيئة التي تدير العملية الانتخابية وتشرف عليها بات مشكوكاً في مصداقيّتها، ليس فقط بسبب التسهيلات غير المسبوقة التي قَدّمتها إلى مَن تريد الدولة إنجاحهم، في مقابل تشدّدها مع مرشّحي المعارضة، ولا سيما القوائم التي استُبعدت لأسباب كان يمكن تجاوزها أو إتاحة المزيد من الوقت لمعالجتها، بل لإعلانها فوز مرشّحين من الجولة الأولى كانوا قد خسروا في التصويت. بهذا الفعل، تنتهك الهيئة المبادئ القانونية والدستورية. صحيح أن العملية الانتخابية تشوبها عادة مخالفة للقوانين وخروق عدّة (مثل توجيه التصويت إلى مرشحي حزب «مستقبل وطن» و«القائمة الوطنية» التي فازت بجميع مقاعد القائمة)، لكن الفجاجة في التزوير وصلت إلى درجة إعلان الهيئة فوز مرشحين من الجولة الأولى على رغم خسارتهم التصويت في الصناديق بموجب محاضر الفرز التي وَقّع عليها القضاة.أيضاً، في عملية توزيع القضاة على اللجان الرئيسة والفرعية، نُصّبت شخصيات مثيرة للجدل، كما حدث في دائرة العمرانية التي وُضع على رأسها المستشار ناجي شحاتة المعروف بانحيازه إلى النظام وتعمّده تغيير النتائج. وسبق أن أقرّت محكمة النقض - أعلى جهة قضائية - بحدوث خروق أدّت إلى تغيير النتيجة في الدائرة التي أشرف عليها شحاتة خلال انتخابات 2015، حين تعمّد إقصاء المعارضين في الدائرة، وعلى رأسهم النائب الحالي محمد فؤاد، الذي أثبتت محاضر الفرز من الدوائر لزوم دخوله الإعادة، لكن شحاتة منع ذلك بأرقام أخرى اعتمدتها الهيئة. أمّا في القضاء الإداري، وهي جهة الطعن في قرارات الهيئة، فكان الموقف مختلفاً، إذ إن الأحكام الصادرة عنه أرغمت أكثر من مرشّح راسب، معظمهم تابعون لـ«مستقبل وطن»، على دخول جولة الإعادة، بعدما أثبتت المحكمة وجود تغيير في الأصوات التي حصلوا عليها. وفي المقابل، كانت غالبية المستبَعدين من دخول الإعادة من «مستقبل وطن» أيضاً.
اللافت في الأحكام الصادرة عن القضاء الإداري إحالة أكثر من ستين طعناً إلى «النقض»، نظراً إلى إعلان «الهيئة الوطنية للانتخابات» فوز المرشحين، وهم بذلك صاروا نواباً، فتكون «النقض» هي الجهة المسؤولة عن التعامل معهم. لكن بعد إصدارها الحكم الذي يستغرق نحو ثلاثة أشهر، يكون من حق البرلمان الامتناع عن تنفيذه لأنه «سيد قراره»، علماً بأن حكم النقض الوحيد في انتخابات 2015 لم يُنفَّذ، بل رفض رئيس البرلمان، علي عبد العال، تنفيذه مراراً. ومن بين الأمور القضائية اللافتة، الأعداد الكبيرة من الطعون التي تلقّاها «الإداري»، ووصلت إلى أكثر من 135 على نتائج المرحلتين الأولى والثانية، فيما فاقت نسبة قبول الطعون 70%، علماً بأن طعوناً أخرى لم تُقبل لأسباب شكلية مرتبطة بالمواعيد الخاصة بالتقديم والمستندات وغيرها.
في النتيجة، أخفقت الأجهزة الأمنية في إنجاح مرشحيها حتى مع الحشد والرشى والأموال الغزيرة التي أُنفقت، في ظلّ نسبة إقبال متدنّية في غالبية الدوائر، فيما كان لافتاً التغيير الكبير في شكل البرلمان باستبعاد شخصيات محسوبة على الأجهزة مثل وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان اللواء تامر الشهاوي، وعضو مجلس الدفاع اللواء حمدي بخيث، وهي الشخصيات التي جيء في دوائرها برجال أعمال ينفقون على العملية الانتخابية والفعّاليات المختلفة من جيوبهم. وفي المحصّلة، أُقصي في هذه الانتخابات 83 نائباً حتى الآن، معظمهم أنجحتهم الأجهزة الأمنية في عام 2015، كما استُبعد نحو 240 لم يتقدّموا من الأساس بعد إدراكهم الخسارة المبكرة، ليكون برلمان 2020 ليس برلمان رجال الأعمال الذين ينفقون على النظام، فحسب بل هو برلمان تزوير مطعون في عضوية نحو ثلث نوابه، ما يجعلهم غير قادرين على الخروج عن النص خوفاً من فقدانهم الحصانة التي سيتمتّعون بها منذ بداية العام.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا