القاهرة | توسّعٌ غير مسبوق في تنفيذ أحكام الإعدام في مصر الشهر الماضي، وثّقته «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية»، وهي منظمة حقوقية بارزة، بعدما رَصدت تنفيذ 53 إعداماً خلال الشهر الماضي في عدد من السجون، ومن دون إعلانِ جميع الحالات التي نُفّذت فيها الأحكام، إذ اقتصر التوثيق على محامي المنظمة. وبالمقارنة مثلاً مع عام 2018، نفذت الدولة في تلك السنة كلّها 43 إعداماً فقط، وهو رقم قريب مما تمّ تنفيذه في 2019 أيضاً، ليكون تشرين الأول/ أكتوبر الماضي شهر الإعدامات بامتياز.جرت العادة على أن تعلن وزارة الداخلية أحكام الإعدام التي تنفّذها في بيانات مقتضبة، لكن هذه العادة توقفت بصورة شبه كاملة منذ شهور، فيما يُرصد تنفيذ نحو عشرة أحكام شهرياً منذ بداية العام الجاري، علماً بأن تنفيذ مثل تلك الإعدام لا يتمّ إلا بموافقة رئيس الجمهورية وتصديقه على تنفيذ العقوبة. والآن، ثمّة المئات داخل السجون في انتظار إمّا تنفيذ العقوبة بعد استنفاد جميع درجات التقاضي، وإمّا عفو رئاسي لا يصدر عادة بحقّ المحكومين بالإعدام إلا في حالات محدودة.
يقول مصدر أمني لـ«الأخبار» إن القانون المصري يضمّ حالات عديدة تستوجب تطبيق الإعدام، و«الداخلية» تُنفّذ الحكم عندما يصلها قرار التنفيذ «لكنها غير مطالبة بإعلان موعده»، ولكن يجري إبلاغ أُسر المدانين لتسلّم جثامينهم ودفنها بمعرفتهم، محاججاً بأن غياب البيانات أخيراً «أمر مرتبط برؤية الوزارة أنه لا ضرورة له، خاصة أن جميع المتهمين يكونون قد استنفدوا طرق التقاضي كافة، كما أن الأحكام منشورة ومعلنة». كذلك، يرى المصدر أن «الداخلية ليست جهة اختصاص في شأن الإعدام، بل جهة تنفيذ للأحكام القضائية ولما يردها من أوراق رسمية عبر وزارة العدل»، مشيراً إلى أن توقيت التنفيذ والأعداد أمور ليس للوزارة شأن فيها، لافتاً إلى أنه فور ورود التصديق الرئاسي يجري تنفيذ العقوبة في أقصر مدّة ممكنة، وبما يتوافق مع الضوابط التي تتجنّب مثلاً تطبيق العقوبة في الأعياد والمناسبات الدينية.
رصدت منظمة حقوقية بارزة تنفيذ 53 إعداماً خلال الشهر الماضي


طبقاً للإحصاء الحقوقي، كان مِمَّن أُعدموا الشهر الماضي 34 متهماً في قضايا جنائية، فيما يُصنّف باقي المتهمين في قضايا تحمل طابعاً سياسياً، منهم 13 اتُّهموا بالتورط في ما عُرف إعلامياً بـ«قضية تنظيم أجناد مصر» الذي يستهدف رجال الشرطة ويهدّد الأمن. وتقول «الداخلية» إن «الأجناد» انبثق عن «أنصار بيت المقدس» عام 2014، علماً بأن أحكام الإعدام صدرت بحق المتهمين من التنظيم في أيار/ مايو 2019 لكنها لم تُنفّذ إلا الشهر الماضي.
يذكر أن التعديلات القانونية المدخلة عام 2017 على قانون العقوبات قلّصت فرص المتهمين الصادر بحقهم الإعدام في درجات التقاضي، لتنظر «النقض» في حكم أوّلِ درجة الخاصّ بالإعدام، بعدما كان يفترض أن تكون هناك محكمة أول درجة ومحكمة درجة ثانية، قبل الوصول إلى «النقض» التي تكون أحكامها نهائية وواجبة النفاذ. كذلك لا تصدر المحكمة الإعدام بحق المتهمين إلا بإجماع الآراء، مع مراجعة رأي المفتي استشارياً. أيضاً، يُصدر القضاء العسكري أحكام إعدام عبر «الجنايات العسكرية» التي تُنظَر الطعون في أحكامها أمام «المحكمة العليا العسكرية للطعون». أمّا التصديق على تنفيذ الحكم في هذه الحالة، فيكون من اختصاص وزير الدفاع وليس رئيس الجمهورية، كما في الجنائيات وقضايا الإرهاب.
على أنه لا يُسمح بنقض حكم الإعدام الصادر من «أمن الدولة طوارئ» التي تنظر في قضايا الإرهاب خلال «إعلان الطوارئ»، وهو ما يراه المحامون والحقوقيون انتقاصاً من ضمانات المحاكمة العادلة. ويقول حقوقيون إن عدداً من المُنفَّذة بحقهم أحكام الإعدام لم يحصلوا على حقهم في الدفاع عن أنفسهم، إذ حقّقت النيابة معهم على رغم غياب محاميهم، فضلاً عن تصوير الاعترافات تحت ضغوط جسدية قبل أن يتراجعوا عنها، وهي اعتبارات لم يأخذ بها القضاة عند إصدار الأحكام.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا