القاهرة | منذ نحو عام، أدّى المستشار حمادة الصاوي اليمين الدستورية نائباً عاماً في مصر لأربع سنوات غير قابلة للتجديد، وفق التعديلات الدستورية الأخيرة. مسارٌ طويل في السلك القضائي على مدار أكثر من ثلاثة عقود، انتهى بالرجل إلى أن يجلس على مقعد النائب العام الذي يرأس جهاز النيابة، ويخوّله الدستور والقانون التحقيق مع رئيس الجمهورية في حال اتّهام الأخير بالخيانة العظمى أو انتهاك أعمال الدستور. واختير الصاوي من قِبَل الرئيس مباشرة؛ إذ على عكس النصّ بترشيح النائب العام من قِبَل «المجلس الأعلى للقضاء»، قرّر المجلس ألّا يرسل أسماء إلى الرئاسة، ليختار السيسي، الصاوي، بناءً على الترشيحات الأمنية، من بين آلاف القضاة الذين تنطبق عليهم الشروط الدستورية، ومنها أن يكون أحد نوّاب رئيس محكمة النقض، أو الرؤساء في محاكم الاستئناف، أو النوّاب العامّين المساعدين.قرّر الصاوي أن يرفع، في عمله، شعار «الفضيلة»، محاوِلاً تصدير النيابة العامة بوصفها «حامية الأخلاق» أمام الرأي العام. وفي الوقت الذي انفتح فيه على مواقع التواصل الاجتماعي بتفعيل صفحة رسمية للنيابة العامة هناك، عمل على الترويج لاستقلال المحقّقين عن سلطة الأمن، والتزام النيابة العامة حماية الشهود المبلّغين عن الانتهاكات أو حتى شهود الإثبات في بعض الوقائع... لكن الواقع كان خلاف ذلك كلّه. اليوم، يمكن الجزم بأن النائب العام، الذي يفترض أن يغادر منصبه في 2023، ليس لديه القدرة على تنفيذ أيّ ممّا يدّعي. حتى تجاه بعض القضايا التي تشغل مواقع التواصل، يأتي تحرّك الصاوي متأثّراً بما يثار، في ظلّ مطالباته المستمرّة بألّا يجري تناول القضايا على تلك المواقع للحفاظ على حقوق المظلومين!
يتجاهل الصاوي ما يخدم المعارضة، ويرحّب بما يخدم النظام


كذلك، يتعامل المستشار مع النيابة العامة كأنها إرث له، فيحدّد الأولويات وفق ما يراه مناسباً، ويتجاهل ما يخدم المعارضة، ويرحّب بما يخدم النظام، وكلّها تصرفات يمكن رصدها من خلال تجاهل النيابة التعامل مع عمليات التشويه والإساءة التي تتعرّض لها شخصيات محسوبة على المعارضة، مقابل اتّخاذ قرارات سريعة ضدّ مَن «يرتكب إساءة» إلى النظام مهما كانت. في القضايا السياسية، لم تَتغيّر طريقة النيابة في التعاطي مع ما تقدّمه وزارة الداخلية؛ إذ إن قرارات الحبس الاحتياطي، وتجديد حبس المتهمين، بناءً على تحرّيات غير دقيقة مستمرّة، تتوسّع، وخاصة تلك الصادرة عن «نيابة أمن الدولة» بحقّ بعض الأصوات المعارضة. وفي هذا الإطار، يبدو لافتاً ضيق المحامين من تعمّد النيابة التشدّد مع المتّهمين، وأيضاً الأوضاع غير الإنسانية للتحقيقات، وتجاهل طلبات المحامين بتوقيع الكشف الطبّي على المتّهمين، واستمرار سياسة الزجّ العشوائي بهم في السجون وحبسهم احتياطياً حتى إشعار آخر، وجميعها سياسات ينتهجها النائب العام الذي يفضّل أن يبقى بعيداً من الإعلام، مكتفياً ببيانات ينشرها على «فايسبوك» في القضايا الجماهيرية، مطالباً المواطنين بمحضه الثقة بصفته «محامياً عن الشعب».
أمّا عن حماية الشهود، فبخلاف المعلن، لم تستطع النيابة حماية أيّ من الشهود في القضايا المهمّة، ففي قضية اغتصاب فتاة في أحد الفنادق الكبرى قبل سنوات، سُرّبت صور وفيديوات مخلّة لعدد من شهود الإثبات، بعدما صودرت هواتفهم وتمّ ابتزازهم بما تحمله. هكذا، حوّل الصاوي مسار القضية من واقعة اغتصاب تَورّط فيها أبناء لكبار الشخصيات، ليكون بعض الشهود فيها متورّطين في انحرافات أخلاقية، ما أفقد القضية التي تبنّاها «المجلس القومي للمرأة» جدواها، في وقت التزم فيه المجلس الصمت، ولم يصدر النائب العام أيّ توضيحات سوى قرارات بضبط متّهمين وحبسهم، من دون الإشارة إلى المقاطع والصور التي خرجت من هواتف الشهود بعد التحفّظ عليهم. في قضية أخرى أيضاً، وعلى رغم إدلاء الشاهد محمد صديق بأقواله في واقعة مقتل صديقه على يد أربعة من أمناء شرطة إثر خلافه مع أحدهم، تعرّضت أسرة القتيل، ويدعى إسلام الأسترالي، لتهديدات وعمليات تعنيف من الأمن لم يتدخل فيها النائب العام أو حتى يُحقّق فيها، مع أن بلاغات رسمية تمّ تقديمها بشأن التجاوزات في حق الأسرة، ومحاولة إجبارها على إغلاق ملفّ القضيّة وكأنّ الوفاة طبيعية نتيجة مشاجرة بين القتيل وآخرين.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا