القاهرة | بعدما جرى التوصّل إلى وقف إطلاق نار على نحو فعلي خلال الأيام الماضية في ليبيا، دخلت المفاوضات بين الأطراف المختلفين فصلاً جديداً، في وقت يسود فيه الغموض حول ما يمكن أن يتمّ التوافق عليه من جرّاء العوامل المتداخلة التي تحكم تصرّفات كلّ طرف، والشكوك في ما يرغب في تحقيقه من مكتسبات، وسط محاولات من الوسطاء لإرساء صيغة توافقية في شأن توزيع الثروة والموارد. وبينما تُستأنف اليوم المفاوضات بين وفدَي مجلس النواب المنعقد في شرق البلاد و«المجلس الأعلى للدولة» التابع لحكومة «الوفاق» في مدينة بوزنيقة المغربية عقب تعطّلها أمس، تدور التوقعات حول التوصّل إلى توافق على تفاصيل كثيرة، مع بقاء قضايا أخرى محلّ جدل، بفعل تمسّك الأطراف بوجهات نظرهم، والسعي الخارجي للإبقاء على المكتسبات المُحقَّقة راهناً. وفي مقدّمة تلك القضايا موقف «المصرف المركزي» ومَن سيتولّى رئاسته، فضلاً عن مقارّ بعض الجهات.وخلال المفاوضات التي انطلقت بداية الأسبوع، جرى الاتّفاق على أن يكون مقرّ ديوان المحاسبة في العاصمة طرابلس، وهيئة مكافحة الفساد في سبها، فيما اختيرت بنغازي مقرّاً لهيئة الرقابة الإدارية. وهي اتفاقات جاءت بعد حوار لساعات طويلة وجهاً لوجه، في وقت يكتفي فيه المغرب باستضافة الحوار من دون التدخل في مجرياته. ويحظى وفد البرلمان بدعم مصري وفرنسي وروسي، بينما يحظى وفد «مجلس الدولة» بدعم تركي. على أن أيّاً من الطرفين لا يتخذ القرارات بمفرده، بل يجري اتصالاته قبل اتخاذ أيّ قرار نهائي، وهو ما تسبّب في إطالة المفاوضات التي كان يفترض أن تستمرّ ثلاثة أيام فقط. وعلى رغم أنه لا إلزامية لنتائج الاجتماعات الليبية المنعقدة في المغرب إلا لأطرافها فقط، بل إن بعضهم قد لا يستطيع إقناع باقي حلفائه بها، فإنها تمثل خطوة مهمة نحو تقريب وجهات النظر بما يمكن البناء عليه في الحوارات المقبلة، كما تقول مصادر مواكبة، ولا سيما لجهة «عدالة توزيع الثروة والتوقف عن الهدر والفساد بما يضمن استمرار تدفق الموارد وتصدير النفط، فضلاً عن تحديد الخطوط الفاصلة لمنع تجدّد الاشتباكات». وفيما أبدت الجزائر استعدادها لاستضافة مفاوضات ملزمة، تتواصل الجهود الأممية والاتصالات الفرنسية - الروسية المكثفة من أجل الوصول إلى حلول خاصة بإجراء انتخابات بحلول نهاية 2021، وليس في آذار/ مارس المقبل، كما كان اقترح رئيس حكومة «الوفاق»، فائز السراج، في مبادرته للتهدئة التي طرحها الشهر الماضي.
يحذر حفتر من اشتعال المعركة في أيّ لحظة ونسف الحوار


بالتوازي مع ذلك، وللمرّة الأولى منذ شهور، وصل وفد مقرّب من حكومة السراج إلى القاهرة لبدء حوار مع السلطات المصرية بعد انقطاع طويل، في وقت تصف فيه مصادر مصرية الزيارة بأنها «مهمّة للغاية»، وربما تُمهّد لزيارة للسراج منفرداً إذا سارت الأمور كما يجب. لكن تبقى ثمة هواجس لدى مصر، من بينها طلب تركيا من السراج أن يطلعها على أيّ تنسيق مع المصريين، الذين «ينزعجون من ذلك بشدّة، لكنهم يبدون تفهّماً واضحاً له». لكن، على المستوى الرسمي، تنفي القاهرة محاولات تقرّبها من السراج، فيما تبدي ترحيباً بأيّ «حوار يساعد على وحدة الأراضي الليبية». وجرت اللقاءات مع الوفد بسرّية منذ صباح أمس في أحد مقارّ الأجهزة السيادية، من دون أن يكون هناك بيان عن أيّ مخرجات. ونقلت مصادر إعلامية مصرية أن المقترح الحالي الذي يجري التفاوض في شأنه مرتبط بتحديد «كوبري السدادة» غرب سرت كخط فاصل بين قوات السراج وقوات المشير خليفة حفتر، على أن يكون إجراء الانتخابات بإشراف عربي ودولي نهاية 2021، وهي تفاصيل تبدو إيجابية، لكن حفتر يتحدّث عن إمكانية اشتعال المعركة في أيّ لحظة، ما يهدم أيّ نتائج جرى التوصل إليها حتى الآن.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا