القاهرة | تلفّ الضبابية المشهد في ليبيا، في ظلّ تزايد التوتر على الأرض، وخاصة في العاصمة طرابلس التي تشهد حالة من الانفلات الأمني غير المسبوق، من جرّاء التظاهرات المناهضة لحكومة «الوفاق» برئاسة فائز السراج، والتي يطالب بعضها بوقف منح الأموال للمرتزقة السوريين الذين وصلوا إلى البلاد خلال الأسابيع الماضية، وعجز القوات الأمنية عن السيطرة على تلك التحرّكات، وأيضاً فقدانها السيطرة على بعض الميليشيات المسلّحة. في هذا الوقت، وبعد إعلان حكومته وقف إطلاق النار والبدء بمفاوضات سياسية من أجل إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بحلول آذار/ مارس المقبل، أطلّ فائز سرّاج في حديث تلفزيوني وعد فيه بتعديل وزاري «يعتمد على الكفاءة»، معلِناً عودة الشركات التركية للعمل ومنحها مستحقاتها المالية خلال الأيام المقبلة، الأمر الذي طرح تساؤلات حول الخطوات المقبلة للرجل.في المقابل، وعلى عكس المتوقع، لم يرحّب اللواء المتقاعد خليفة حفتر بخطوة حكومة «الوفاق»، كما لم يبدِ حماسة للبدء بالمسار السياسي، بل أعلن رصد قواته تحرّكات عسكرية تركية مريبة بالقرب من المياه الإقليمية، وهو ما يشير إلى احتمالية مواجهة مباشرة مع القوات التركية على محور سرت - الجفرة خلال أسابيع. ووفقاً لمصادر مصرية مطّلعة تحدثت إلى «الأخبار»، فإن حفتر «لم يرحّب بالمسار الذي اقترحه السراج، لِما فيه من عجلة غير مبرّرة وعدم وضوح»، بل «انتقد سرعة الترحيب المصري والخليجي بالإعلان الذي تضمّن شروطاً لن يقبلها الجيش الوطني». وتضيف المصادر: «من وجهة نظر ما، الأمر لا يتجاوز مناورة جديدة من السراج للبقاء على رأس السلطة، سواء بالترشّح في الانتخابات المقبلة أم بتهدئة مؤقتة حتى حلّ المشكلات الداخلية المرتبطة بالتذمّر في الميليشيات».
أبلغ حفتر حلفاءه امتعاضه من ترحيبهم بمبادرة السراج، واضعاً أمامهم شروطه للحل


وعلى الأرض، يتابع حفتر عمليات التوتير في طرابلس، مُقدّراً أن استمرار ذلك سيدفع السراج إلى مزيد من التنازلات خلال الأيام المقبلة. ويرى الحليف الحالي لمصر والإمارات والسعودية أن لا ضرورة للاستجابة لجميع ما طُرح في مبادرة «الوفاق»، ولا سيما لناحية إخلاء محور سرت - الجفرة، سواء لمصلحة قوات أجنبية أم مشتركة. ولذا، لم يُخفِ حفتر سخطه على مسارعة داعميه إلى الترحيب بمبادرة السراج من دون شروط، مبلغاً إياهم ضرورة مناقشة التفاصيل أولاً عبر وسطاء، قبل الوصول إلى رؤية مشتركة، بدعوى أن هناك «ملفات عالقة يجب حلّها قبل التوجّه نحو صناديق الاقتراع». كذلك، لم يُخفِ نيّته الترشّح للانتخابات الرئاسية في حال التوافق على إجرائها، طارحاً نقاطاً محورية مرتبطة بأوجه الإنفاق من «مصرف ليبيا»، ومصير عائدات النفط، وغيرها من الملفات الاقتصادية التي يفترض تحديدها قبل أيّ ترحيب بوقف إطلاق النار كما يرى، مشدداً على أن «خطوة السراج جاءت على خلفية المشكلات التي يواجهها حتى مع حلفائه وداعميه، ويجب أن لا يظهر الجيش (قوات حفتر) كأنه كان في انتظار قرار» حكومة «الوفاق». بناءً على ما تقدّم، وضع حفتر قائمة بشروطه للموافقة على وقف إطلاق النار - الذي يستمرّ نظرياً، فيما على الأرض تتواصل المناوشات بين الجانبين -، ومن أبرزها «التعهّد بجدول زمني لإخراج المرتزقة وتسليم أسلحتهم، إضافة إلى التأمين المنفرد لمنطقة الهلال النفطي، وعدم الانسحاب منها تحت أيّ مسمّى بوصفها خطاً أحمر لا يمكن التنازل عنه».
إزاء ذلك، تسعى القاهرة إلى إقناع حفتر بمشاركة قوات من «الوفاق» في تأمين منطقة الهلال بأسلحة خفيفة، لكن هذا المقترح لم تتمّ بلورته بعد، فيما تغيب الرؤية المشتركة لأيّ اجتماعات يمكن عقدها قريباً لبدء التفاوض، وسط محاولات فرنسية لعقد لقاء بين حفتر والسراج في باريس، يمكن أن يمهّد لوضع خريطة الطريق السياسية، وهو ما لا يزال يواجَه بتحفّظات من أنقرة، التي ترغب في أن يكون اللقاء ضمن مباحثات أوسع في برلين.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا