القاهرة | بات واضحاً أن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، صار يستمع للنصائح التي تُقدم من خارج دائرته المقرّبة عادة. فـ«الجنرال» معزول عن الظهور الإعلامي للشهر الرابع على التوالي، متوقفاً عن الخروج الدائم وتكرار الحديث العفوي الذي يؤخذ عليه، في «عزلة» هي الأطول منذ وصوله إلى الرئاسة قبل ست سنوات. وبالتوازي، يباشر المتحدث باسم الرئاسة، السفير بسام راضي، نشر الأخبار عما يجريه السيسي من لقاءات واجتماعات دورياً، مثل اللقاءات والاجتماعات مع مسؤولين محليين أو وزراء. لكن السيسي بنفسه لم يعد يظهر حتى مع افتتاح المشروعات، لتنتهي ظاهرة سلسلة الأوامر التي كان يوجهها خلال تلك المشاركات. كذلك، تُعِدّ رئاسة الجمهورية تقارير يومية وأسبوعية عن نشاطات الرئيس وجولاته، وتُبرز فيها «الدور الذي يقوم به في إدارة البلاد»، من دون أن تعرض أي تصريحات أو تعليقات للسيسي نفسه، في حين أن هذه التقارير تُبث في مقدمة النشرات على جميع القنوات الإخبارية. هكذا، منذ ظهوره في جلسات «منتدى شباب العالم» في الشهر الأخير من العام الماضي، لم يظهر السيسي متحدثاً إلى المواطنين حتى في أصعب القرارات، بل فضّل البقاء في «الاتحادية»، وألّا يطل عبر الشاشات مكتفياً بمتابعتها. كما جاءت كلماته مقتضبة باستمرار في أي ظهور عام وملتزماً النص المكتوب كلياً. حتى في الأيام الأخيرة، مع اتخاذ قرارات محورية بشأن فيروس كورونا وخطوات الحدّ من انتشاره، لم يظهر الرئيس مخاطباً الناس، بل اكتفى بخروج رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، في المؤتمرات مندوباً عن السيسي الذي يتابع القرارات من القصر. كما لا يبدو أن غياب الرجل الإعلامي مرتبط بأزمة «سدّ النهضة» وتعطل المفاوضات مع الجانب الإثيوبي حالياً، بل يرجع الأمر إلى ما قبل تعثر المفاوضات، حتى إن الرئاسة اعتذرت منذ كانون الثاني/ديسمبر الماضي عن لقاءات طُلب إجراؤها داخل مصر أو خلال الجولات الخارجية.
هذه «العزلة» لـ4 أشهر هي الأطول منذ وصوله إلى الرئاسة قبل 6 سنوات


تقول مصادر إن «العزل الإعلامي» للرئيس جاء بعد النتائج العكسية التي تبعت ظهوره للرد على المقاول محمد علي، في ما يتعلق باتهامات بحقه ببناء قصور رئاسية فارهة وغيرها من الاتهامات التي نجح المقاول في إثبات عدد منها، وآنذاك قرّر السيسي الرد بنفسه على المقاول في مؤتمر أقيم استثنائياً خلال أيلول/سبتمبر الماضي. وبينما لم يعد السيسي راغباً في الحديث والاسترسال، برغم تضرر فعّاليات كثيرة من أزمة «كورونا» وحتى إلغائها، فإن المؤتمرات الدورية للشباب توقّفت بقرار مسبق، وتحديداً منذ ختام «شباب العالم»، إذ لم تتخذ المخابرات أي خطوات لتنظيم مؤتمرات، وكذلك الحال مع النسخة الثانية من «منتدى الشباب المصري ـــ السوداني» الذي يفترض إقامته الشهر الجاري في أسوان. صحيح أن السيسي أعطى اهتماماً كبيراً لهذه المؤتمرات على مدار العامين الماضيين، فكان يظهر فيها من الصباح إلى المساء معقّباً وشارحاً خطواته الاقتصادية والسياسية، لكنه صار أكثر إدراكاً أن ظهوره يضرّه أكثر مما يفيده، خاصة أن خروجه عن النص يعرضه للسخرية ليس في البرامج التي تبث من خارج مصر فقط، بل أيضاً عبر صفحات المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي. ومع الوقت، جعله قرار العزلة «الاختيارية» لا يرغب في تنظيم الدولة أي فعّاليات يتحدث فيها، ولو اضطر إلى الوجود، يكتفي بالكلمة الرسمية، في خطوة عكست سياسة جديدة يحاول بها تقليل الانتقادات التي نالت منه ومن أسرته، ما جعله، كما ينقل مقربون، يشعر بالضيق على المستوى الشخصي.