هادئاً جدّاً كان رحيل محمد حسني مبارك عن مصر. البلاد التي ثارت بـ«مليونيات» ضدّه، لا يستطيع أحد فيها الآن الاعتراض على إعلان الحداد عليه ثلاثة أيام، أو إبداء الانزعاج من إقامة جنازة عسكرية له. أسباب كثيرة لذلك، منها أن ما فعله مبارك في زمانه، من «كامب ديفيد» إلى صفقات الغاز إلى حصار المقاومة إلى... ليس إلا نقطة في بحر ما يفعله اليوم عبد الفتاح السيسي وأنظمة الخليج وآخرون. سبب آخر يرتبط بالداخل، هو أن «دولة مبارك» حاضرة ومستمرة، لكن بوجوه أخرى، وبصيغة أكثر تطوّراً في القمع والعنف والسجون... وحرق مستقبل ملايين الشباب. فالسيسي، الذي كان مبارك مَن اختاره مديراً لـ«المخابرات الحربية»، هو «خير» مَن وَرِث الرجل ودولته، ولا سيما المنظومة الأمنية التي تعلو كلّ شيء، بعدما غيّر الرئيس المخلوع «دولة الجيش» التي بناها جمال عبد الناصر لتصير «دولة وزارة الداخلية»، ويَتحوّل الجيش الذي حارب إسرائيل إلى شركات واستثمارات. كما ورث السيسي عنه أساليب كثيرة، منها الشكّ في كلّ شيء، وإقصاء أو حتى سجن مَن يفكر في أن يحمل صفة الخليفة المحتمل للرئيس.
بغض النظر عن فارق الكاريزما والخطاب بين الاثنين، تستمرّ «المحروسة» في جني الحنظل والعلقم من ثلاثة عقود لم يَهُن على مبارك بعدها التنحّي بسهولة، إلا بإراقة الدماء التي فتحت الباب لاحقاً أمام حمّامات دم أخرى. حتى إخفاق «الإخوان المسلمون» في سنة حكمها (والذي يعود في جزء منه إلى خلل في فكر الجماعة وبرنامجها) كان من نتائج سياسات مبارك الذي سجن قادتها لعقود وأرهبها بالدم. أخيراً، لم يجد المعزّون من أهل البلاد في مبارك حسنةً سوى أنه كان عليهم «أرحم» من السيسي، فيما كانت للمعزّين الحقيقيين، من أبو ظبي والرياض وتل أبيب، أسبابهم الوجيهة في نعي الرجل.
بغض النظر عن فارق الكاريزما والخطاب بين الاثنين، تستمرّ «المحروسة» في جني الحنظل والعلقم من ثلاثة عقود لم يَهُن على مبارك بعدها التنحّي بسهولة، إلا بإراقة الدماء التي فتحت الباب لاحقاً أمام حمّامات دم أخرى. حتى إخفاق «الإخوان المسلمون» في سنة حكمها (والذي يعود في جزء منه إلى خلل في فكر الجماعة وبرنامجها) كان من نتائج سياسات مبارك الذي سجن قادتها لعقود وأرهبها بالدم. أخيراً، لم يجد المعزّون من أهل البلاد في مبارك حسنةً سوى أنه كان عليهم «أرحم» من السيسي، فيما كانت للمعزّين الحقيقيين، من أبو ظبي والرياض وتل أبيب، أسبابهم الوجيهة في نعي الرجل.