القاهرة | التقشف الحكومي لا يُطبَّق على مؤسسات كثيرة في الدولة المصرية، ومنها الرئاسة التي تنفق ما يزيد على 400 مليون دولار سنوياً كمصاريف رسمية، غير شاملة لأعمال البناء لمزيد من القصور والاستراحات التي تليق بالجنرال عبد الفتاح السيسي، الذي لا يبدو أنه اكتفى بأكثر من 90 قصراً واستراحة في مختلف المدن، غالبيتها خضعت لعملية تطوير شاملة في السنوات الأخيرة، ومن بينها ثمانية قصور تاريخية. إلى يوم رحيل محمد حسني مبارك عن الحكم، لم تكن موازنة الرئاسة أكثر من 252 مليون جنيه، لكنها اليوم زادت لتقفز إلى نحو 6 مليارات موزعة ما بين أجور ورواتب وتجديدات وتجهيزات، فضلاً عن بنود سرية توضع كرقم واحد في الموازنة، وتُستخدم لتمويل رفاهية هذه المؤسسة، مثل صفقة الطائرات الفرنسية الأربع الفارهة التي وصلت تكلفتها إلى 300 مليون يورو. بذخ الرئاسة المصرية لا يعطي انطباعاً بأن البلاد في حالة تقشف بسبب سوء الأوضاع، بل إن صورة التقشف التي يحاول السيسي ترسيخها عن نظامه لا تنطبق عليه ولا على المقرّبين منه. تناول الفلافل والفول على الغداء في حواره مع رؤساء تحرير الصحف القومية قبل أشهر لم يكن سوى جزء من تلك الدعاية، فيما يكون الطعام خلال «مؤتمرات الشباب» من أجود أنواع اللحوم والأسماك و«الجمبري». لم يكتفِ «الجنرال» بميراث القصور المثقل بالأعباء المالية بسبب العمالة والتأمين، والتي يفوق عددها 90 موقعاً وقصراً رئاسياً مُعدّة لاستقبال الرئيس وضيوفه، بل قرر التوسع وإنشاء قصرين آخرين، بخلاف الاستراحات التي تم تدشينها، ومن بينها استراحة رئاسية في قاعدة عسكرية في شرم الشيخ بدلاً من الفندق الذي كان يقيم فيه خلال الولاية الأولى أثناء زياراته للمدينة. واعتمدت شرم الشيخ، منذ إنشائها في عهد مبارك وتحويلها إلى مقرّ إقامة للرئيس لمدد طويلة، في استضافة الأخير وعائلته، على القصور التي بُنيت في منطقة مميزة، لكن بعد خلعه من السلطة، كان الراحل محمد مرسي ومن بعده السيسي يقيمان في فنادق المدينة، حتى بناء الاستراحة الجديدة بجوار المطار، حيث تم تأمينها استثنائياً بإقامتها وسط قاعدة لـ«الحرس الجمهوري».
بُنيت استراحات جديدة للسيسي إحداها في شرم الشيخ


ويضيف الرئيس خلال الشهور المقبلة قصرين جديدين بُنيا وفق أحدث الطرازات، كما زُوّدا بأفخم الأثاث المستورد؛ الأول في العاصمة الإدارية الجديدة واختيرت له منطقة محصّنة بعيداً عن مباني الحكومة، وسيجري الانتقال إليه خلال النصف الثاني من 2020 أو أوائل 2021، ليكون مقرّاً للحكم بدلاً من قصر الاتحادية الذي يحكم منه السيسي راهناً. أما القصر الثاني، فسيكون مقرّاً للحكم الصيفي، وهو في مدينة العلمين الجديدة التي قضى السيسي العيد فيها داخل فندق الماسة، الذي بُني أخيراً ليكون واحداً من أفخم الفنادق في الساحل الشمالي، ويديره الجيش ضمن مجموعة الفنادق التي تحمل الاسم نفسه في عدد من المدن، ومن بينها العاصمة. في قصر العلمين سيكون السيسي قادراً على إدارة الحكم من على شاطئ البحر المتوسط، وبالقرب منه مقرّ الحكومة الجديدة الذي افتُتح أخيراً (راجع: حكومة «ترشيد النفقات» تفتتح مَصْيفاً لاجتماعاتها! في 25/7/2019). ولا يبعد القصر الجديد سوى أقل من ساعة بالسيارة عن الاستراحة الرئاسية في قاعدة «محمد نجيب» الجوية، وساعة أخرى عن قصر المتنزه في الإسكندرية، والذي قضى فيه «الجنرال» إجازته الصيفية نهاية الشهر الماضي، كما يبعد نحو ساعتين عن استراحة الرئاسة الموجودة في مدينة مرسى مطروح.
وسيكون القصران الجديدان جاهزين لاستقبال السيسي في أي وقت، وذلك مع الإبقاء على «الاتحادية» ليكون ضمن باقي القصور التي يجري الإنفاق عليها من دون الاستفادة منها، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه القصور والاستراحات إن لم تكن تحمل طابعاً تاريخياً في مبانيها، فهي تحتل مواقع متميزة، ما يكلف خزانة الدولة عبء مصاريف باهظة على التأمين في الطرق المحيطة بها، حتى في غياب الرئيس عنها. كذلك، يتمتع العاملون في الرئاسة بمزايا استثنائية ورواتب أكبر من نظرائهم في أي جهات أخرى، فضلاً عن العلاج والتأمين على نفقة الدولة، ما يجعل مستوى رواتبهم أعلى حتى من المخابرات. وهذا لا ينطبق على العسكريين فقط، بل على المدنيين العاملين فيها، سواء في وظائف إدارية أم مهمات رسمية، ولا سيما من يرافقون الرئيس في رحلاته أو يمهّدون لزياراته الداخلية والخارجية.