القاهرة | أموال 1589 شخصاً و1133 جمعية و118 شركة و104 مدارس و39 مستشفى ستدخل كلها خزانة الدولة المصرية لتتعامل معها بالطريقة التي تراها مناسبة قريباً. قرارٌ اعتمدته لجنة التحفظ ومصادرة أموال وممتلكات جماعة «الإخوان المسلمين» المحظورة، التي شُكِّلت بقرار من الرئيس عبد الفتاح السيسي، في خطوة ــ وإن كانت تتعارض مع الدستور انطلاقاً من مبدأ أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته ــ مهّد لها النظام بكثير من الإجراءات والقوانين، وصلت ذروتها العام الجاري. وهكذا، ستدخل الأموال خزانة الدولة من دون معوقات قانونية سريعة.يجري ذلك مع أن اتخاذ إجراءات الطعن في هذه الخطوة من المفترض أن تأخذ سنوات وسنوات، بما أن المتهمين مطالبون بإثبات براءتهم، والطعن أمام القضاء الإداري بتضررهم من القوانين، ليجري بعد ذلك الدفع بعدم دستورية القوانين التي تمت على أساسها مصادرة الأموال، ومن ثم تحال القوانين على المحكمة الدستورية للنظر في مدى توافقها مع الدستور، قبل أن تبدي رأيها الذي يستغرق سنوات، وتعود مجدداً إلى القضاء الإداري. خطوات، وإن طال أمدها، ستجعل من المستحيل استعادة الممتلكات، لأن وضعها لن يبقى كما هو قريباً.
فقد حكمت اللجنة على المتهمين بتجريدهم من أموالهم وممتلكاتهم التي يرجع بعضها في الأساس إلى ميراث قديم، مثل أراضٍ ومبانٍ، والبعض الآخر لمشروعات يفوق عمرها عشرات السنوات، بسبب خلاف سياسي جرّد الجميع ممتلكاتهم، ما يضع أسرهم أمام مشكلات مادية جسيمة. ومنذ بداية ولايته الأولى والسيسي يضع عينه على أموال «الإخوان» التي تقدر بالمليارات، وهي موجودة في الجمعيات الخيرية التي تراجعت التبرعات إليها بعد الـ30 من حزيران/ يونيو كثيراً، والحسابات المصرفية الموجودة للمدارس الخاصة التي تمتلكها قيادات الجماعة وتدرّ دخلاً بالملايين سنوياً، معتمدة على النجاح الذي حققته في سنوات سابقة والإشادة بالمستوى التعليمي المتميز فيها، حتى صارت موازية في بعض المناطق للمدارس الدولية.
تمهيد النظام لهذه الخطوة جاء اعتماداً على إصدار «محكمة الأمور المستعجلة» (محكمة جزئية تصدر أحكاماً لمصلحة الحكومة باستمرار ومكوّنة من قاضٍ واحد) حكماً بـ«حظر أنشطة جماعة وتنظيم الإخوان المسلمين، وتكليف الحكومة باتخاذ ما يلزم لتطبيق الحكم»، وهو ما دفع وزير العدل في نهاية 2013 إلى تشكيل لجنة برئاسة مساعده لتنفيذ الحكم والتحفظ على الأموال الخاصة والشركات والجمعيات المملوكة للجماعة وقياداتها، وهو تحفظ لم يمنع منحهم جزءاً من الأموال وفق ضوابط محددة سلفاً.
منذ البداية وضع السيسي عينه على مليارات «الإخوان»


لكن، مع وصول السيسي إلى الحكم، وبدء هيكلة النظام والتعامل بانتقام مع «الإخوان المسلمين»، أقرّ منفرداً قانون الكيانات الإرهابية، الذي منح النيابة العامة أحقيّة أن تتقدم بطلب إلى المحكمة من أجل إدراج أشخاص وكيانات على قوائم الإرهاب. وبناءً على صدور قرار الإدراج في القوائم، يجري التحفظ على الأموال. وجاء أول تفعيل للقانون الجديد بإدراج 1538 شخصاً بتهمة تمويل الجماعة، من بينهم أشخاص لم ينتموا إلى «الإخوان» تنظيمياً في أي مرحلة من حياتهم، مثل لاعب الكرة البارز محمد أبو تريكة، لكن المحكمة ألغت الحكم الصادر بإدراج المتهمين في القضية على قوائم الإرهاب، ثم صدر قرار آخر من دائرة أخرى بإدراج 1529 في قضية أخرى بنفس الاتهامات، ما أخرج 6 أشخاص فقط، وبقيت أموال الباقين ومؤسساتهم تحت التصرف لدى اللجنة.
صحيح أن ثمة أحكاماً وقضايا منفردة حرّكتها النيابة العامة خلال المدة الماضية ضد أشخاص اتهمتهم بالإرهاب، ومن بينهم مالك جريدة اقتصادية كتب السيسي فيها مقالة بعد وصوله إلى السلطة، لكن هذه التحركات جاءت متفرقة، وبهدف إدخال أصحابها، سواء أكانوا أفراداً أم جهات، في دوامة قضائية لا تنتهي، فيما جاءت قرارات لجنة التحفظ على الأموال قابلة للطعن أمام القضاء الإداري، بوصفها صادرة عن جهة إدارية تابعة للحكومة، وهو ما كان سيفتح الباب أمام كثيرين من غير المتورطين في أي قضايا سياسية لاستعادة حقوقهم وأموالهم المتحفظ عليها. لكن مجلس النواب أقرّ في نيسان/ أبريل الماضي قراراً بتشكيل لجنة ذات طبيعة قضائية لتكون بديلة من اللجنة ذات الطبيعة الإدارية، على أن يتم بها الإبقاء على جميع القرارات التي سبق أن صدرت، ولا يكون الطعن في قراراتها إلا أمام «محكمة الأمور المستعجلة» التي لم تعرف في تاريخها إصدار أحكام عكس إرادة الدولة.
اللجنة، التي شكلها السيسي برئاسة المستشار محمد ياسر أبو الفتوح، استهلت أول قراراتها بعد ثلاثة أشهر من التشكيل بتفعيل قرار التحفظ على الأموال وضمها إلى الخزانة العامة، في خطوة يتوقع أن تشهد مزيداً من الإجراءات الحكومية لتفعيلها خلال العام المالي الجاري؛ فالجمعيات الأهلية ستحال أموالها على وزارة التضامن الاجتماعي، والمستشفيات ستضم إلى مستشفيات وزارة الصحة وتدخل أرباحها في خزانة الدولة. أما الأنشطة المتنوعة للشركات، فستكون مهمة وزارة الاستثمار والأموال النقدية، وستجمع وتوجه إلى خزانة الدولة مباشرة، بينما تبقى المدارس تحت تصرف وزارة التربية والتعليم.
إذن، ستنفذ الحكومة ما فشلت فيه عبر فترة التحفظ فقط، التي لم تشهد تغييرات جذرية في القيادات أو آليات العمل. فقرار نقل التبعية إلى الوزارات والهيئات المعنية الذي سيصدر عن مجلس الوزراء قريباً، سيمنح صلاحيات واسعة في إحداث تغييرات جذرية، فضلاً عن إمكانية تصفية شركات ودمج أخرى مع شركات حكومية لمحو أي إمكانية لحصول أصحاب هذه الشركات عليها مجدداً، حتى لو صدرت أحكام قضائية لمصلحتهم في المستقبل.