القاهرة | مؤتمر العودة للجذور الذي أُقيم في مدينة الإسكندرية الساحلية، وقفت وزيرة الهجرة المصرية نبيلة مكرم لتقول إنّها كانت مكلّفة من حكومتها «حشدَ» المصريين في الخارج للتصويت في الانتخابات الرئاسية.كلمة «حشد»، التي استخدمتها مكرم، سبق أن أغضبت الأجهزة الأمنية، حين أبرزتها جريدة «المصري اليوم» في أحد عناوينها البارزة آخر أيام الاقتراع. لكنّ الأمر مختلف، حين تأتي كلمة كهذه على لسان وزيرة أو مسؤول رفيع المستوى، وهو ما غيّب أي ردّ فعل إعلامي تجاه تصريحات الوزيرة المصرية، كي لا يفسّر الأمر على أنه «تناقض» داخل الدولة المصرية في التعامل مع ملف حساس، كالانتخابات الرئاسية، خصوصاً أن كل الشاشات وغالبية الصحف باتت تحت قبضة الأجهزة السيادية.
سيطرة جهاز المخابرات على وسائل الإعلام المصرية لم تعد شكلية، فهو نفسه أعلن رسمياً حصوله على حقوق الرعاية الإعلانية لمختلف الفضائيات بالتزامن مع حركة تغييرات واسعة في المشهد الإعلامي، ستشهد دخول منافسٍ جديد قريب في السوق هو السعودي تركي آل شيخ، الذي يخطط لإطلاق شبكة قنوات متخصصة في الشأن المصري، ويُتوقع أن تكون لها مكانة سريعة على الخريطة الإنتاجية، ما يشكل تحدّياً جديداً لهذا القطاع الذي عانى بالفعل من خسائر كبيرة خلال آخر عامين.
في التفاصيل، فإن وكالة «دي ميديا» التي تمتلكها المخابرات الحربية رسمياً، أصبحت مسؤولة إعلانياً عن شبكة قنوات «الحياة»، و«أون»، و«العاصمة»، بالإضافة إلى ملكيتها لشبكة قنوات «دي ام سي» التي انطلقت العام الماضي، فيما تمتلك «الشركة المتحدة» التي تُسهم المخابرات في غالبية أسهمها، حق الرعاية الإعلانية لمجموعة قنوات «سي بي سي».
سيطرة المخابرات على السوق الإعلامية باتت شبه كاملة، إذ لم يبقَ من منافسين «مستقلين» سوى قناتي «النهار» التي تديرها شركة «ميديا لاين» وتعاني من ديون غير مسبوقة تهدد بإغلاقها، وقناة «المحور» التي يمتلكها رجل الأعمال حسن راتب، المعروف بالتقاطع الكبير لمصالحه مع النظام السياسي، وحرصه على إرضائه بأي شكل من الأشكال.
هذه الخطوة من شأنها أن تعزز من قدرة الدولة المصرية في السيطرة على مختلف الشاشات خلال الفترة المقبلة، وذلك ضمن مسار طويل، بدأ بإقصاء جهاز المخابرات لرجل الأعمال نجيب ساويرس من المشهد الفضائي، ما دفعه بداية إلى بيع فضائية «أون»، قبل سنوات، مكتفياً بعقود الرعاية الإعلامية، ليبقى متحكماً في المحتوى عبر الحضور إعلانياً.
لكن هذا الحضور الذي ضمن وجود الإعلامي عمرو أديب صاحب نسب المشاهدة الأعلى في برامج الـ«توك شو»، انتهى فجأةً، أوّل من أمس، وذلك بصيغة إعلان ودّية، حسبما أعلن مباشرة على الهواء، في موازاة إجبار شركة «بروموميديا» على فسخ التعاقد وإسناد الوكالة الإعلانية إلى شركة «دي ميديا» التي تملكها المخابرات.
يقترب تركي آل شيخ من إطلاق قنوات في مصر خلال الشهور المقبلة


صحيح أن الوقت لا يزال مبكراً في الحكم على تحركات «دي ميديا»، وقدرتها على ضبط المشهد الإعلاني خلال الفترة المقبلة، والحد من الخسائر، لكن جميع المؤشرات تؤكد أن خطوة الاستحواذ جرت بلا دراسة متأنية للوضع، خاصة أنّ جميع المحطات التي أصبحت وكيلاً إعلانياً لها تعاني من أزمات مالية طاحنة.
من جهة ثانية، إنّ شركة «دي ميديا» لا تقتصر وظيفتها كوكيل إعلاني للمحطات الفضائية، بل ستكون رقيباً قادراً على مراقبة المذيعين وإعادة تقويم أدائهم وإقصاء أصحاب الأجور الكبيرة، ما لم يقبلوا بخفضها اضطرارياً، تحت سياسة إعادة توجيه الإنفاق المالي، علماً بأن خفض الأجور طاول قبل فترات مجموعة من الإعلاميين، منهم يوسف الحسيني ولميس الحديدي.
السياسة الظاهرة حتى الآن من قبل المخابرات في الإدارة، قائمة على تجنب التطرق إلى المواضيع الخلافية سياسياً، والتحفّظ في إظهار أية سلبيات الشاشات، مع ضرورة إلقاء اللوم على المواطنين وتحميلهم نتيجة أية قرارات اقتصادية تزيد الأسعار، مع إبراز دور الهيئات الرقابية في ضبط الأسعار وملاحقة الفاسدين... والأهم، بطبيعة الحال، إبراز جهود الرئيس عبد الفتاح السيسي في مختلف المجالات، حتى لو لم يحضر في الفاعليات!
صحيح أن الإنتاج الدرامي الذي ستعرضه الفضائيات المختلفة سيؤدي إلى خسائر إضافية تضاف إلى الديون القائمة بالفعل، بسبب تجاوز ميزانيات الإنتاج، ما يصل إلى ضعف السقف المتوقع تقريباً من العائدات الإعلانية، لكن الشركة لن تتدخل إلا بعد شهر رمضان، حيث سيشهد النصف الثاني من العام الحالي تصفيات وتقليصاً في النفقات ودمجاً للمحطات ترشيداً للنفقات.
وبحسب مصادر مطلعة على ما يجري في القطاع الإعلامي، ينصب التوجه الآن على إعداد دراسة بشأن مدى الحاجة الفعلية لهذا العدد الكبير من المحطات الفضائية الموجودة، وقدرة السوق الإعلامية على تحمّله، في ظل تراجع العائدات الإعلانية من الشركات الكبرى التي اتجهت لتخصيص جزء من ميزانيتها الدعائية لمواقع التواصل الاجتماعي.
وفي هذا السياق، تجري دراسة إمكانية دمج قنوات رئيسية، وزيادة جرعة البرامج الترفيهية والأعمال الفنية على شاشتها، على أن تُنتَج هذه النوعية من البرامج بميزانيات أقل من السنوات السابقة، مع خفض إجباري في أجور الفنانين وفرق العمل.
وتأتي سيطرة المخابرات على وسائل الإعلام الخاصة بنحو كامل بالتزامن مع دخول الرقابة الإدارية على خط السيطرة على التلفزيون المصري وشاشاته من خلال خطة التطوير التي أُطلِقَت بالفعل قبل ثلاثة أشهر، بمشاركة مؤسستي «الأهرام» و«الأخبار» المملوكتين من قبل الدولة المصرية عبر وكالتهما الإعلانية.
على الجانب الآخر، يقترب تركي آل شيخ رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم من إطلاق مجموعة قنوات تلفزيونية منوعة جديدة خلال الشهور المقبلة، حيث يشير مقربون من تركي إلى أنها ستكون الاضخم عربياً في مصر مع انطلاقها بحزمة قنوات جديدة، يتوقع أن تشهد انضمام الإعلامي عمرو أديب إليها.
لكن مشروع إطلاق هذه المجموعة لا يزال حديثاً في الأروقة من دون أية خطوات فعلية على أرض الواقع.