كيف تأثّر المعلمون في القطاع الخاص بالأزمة الاقتصادية والمالية؟- الأزمة طاولت كل القطاعات بما فيها القطاع التعليمي الذي يعاني بشكل مخيف، والمعلمون فيه هم الحلقة الأضعف والأكثر تأثّراً بالوضع الحالي. ومن كان من المعلمين قادراً على مغادرة البلد أخذ أولاده وهاجر إلى الخليج ودبي وأوروبا وأفريقيا. أما المعلمون المستعان بهم حديثاً، فليست لديهم خبرة ويرضون بالقليل لغياب البديل، وهذا سيؤثر حتماً في نوعية التعليم. في العام الماضي، هناك نحو 5 آلاف معلم تركوا التعليم. ومن أُجبر على البقاء يرزح تحت سلطة إدارات المدارس، ويقاوم بأساس راتب لا يتجاوز مليوناً و500 ألف لغير حاملي الإجازة التعليمية و100 دولار لحاملي الإجازة، عملاً بوحدة التشريع بين القطاعين التعليميين الرسمي والخاص، فيما الحد الأدنى للأجور بات مليوني ليرة.

هل ما زالت وحدة التشريع قائمة فعلاً؟
- تمسّكنا بوحدة التشريع لكونها تحمي الأستاذ في التعليم الخاص من تسلّط إدارات المؤسسات الخاصة. لكن اليوم، لم يعد هناك أي شكل من أشكال الوحدة، ليس فقط بين القطاعين الرسمي والخاص، إنما بين المدارس الخاصة نفسها. في الواقع، المعلم في القطاع الخاص متروك لوحده ليواجه الإدارات، فهو لم ينل أيّ دعم أو مساعدة اجتماعية على غرار زميله في الرسمي.

إلى أيّ سلطة يخضغ المعلمون لسلطة الدولة، أم لكارتيل المدارس، أم لنقابة المعلمين؟
- بحكم وحدة التشريع، الدولة هي التي تحدّد رواتب المعلمين في التعليم الخاص. لكن على مرّ الوقت، تحكّمت الإرساليات الأجنبية والكانتونات الطائفية بهم، واستطاعت، بموجب أنظمتها الداخلية، أن تحرمهم الكثير من الحقوق ومنها رواتب الصيف، إجازة الأمومة، تعليم أبنائهم مجاناً، وتسجيلهم في صندوق التعويضات. يحصل ذلك من دون أي رقابة أو محاسبة من الدولة أو من نقابة المعلمين.

الحجة المعطاة لتبرير «دولرة» الأقساط هي تأمين رواتب المعلمين، فهل المعلمون يستفيدون فعلاً من هذا التدبير؟
- يدرك المعلمون بأنّ الدولرة صيغة مخالفة للقانون وتلقى اعتراضاً من الأهل ولجانهم، ولكن ليس أمامهم حلول أخرى للحصول على حقوقهم والذهاب إلى مدارسهم. فهم غير قادرين على الاطّلاع على موازنة المدرسة، ويستطيع المديرون أن يحوّلوا نسبة من الرواتب إلى الدولار وصلت في بعض المدارس إلى 45%. ويمكن البعض أن يقول للمعلمين إن المبالغ التي جبوها بالدولار الأميركي تكفي فقط للمصاريف التشغيلية والصيانة. من هنا، يجب أن ينطلق حوار بين المعلمين ولجان الأهل التي تملك صفة رسمية وتوافق على الموازنات المدرسية، وإن كنت أدرك شخصياً أن الأمر ليس بهذه السهولة، لأن الإدارات تضعنا دائماً في مواجهة بعضنا، ولا قدرة للجان بأن تفرض على المدارس تحويل قسم من المبالغ بالدولار لدعم المعلمين.

ما هي قانونية لجان المعلمين في المدارس الخاصة؟
- ليست لديها صفة قانونية. فهناك مدارس تسمح للجان بالعمل لامتصاص غضب المعلمين وإيجاد حلول وسط مع الإدارة. في مدرستنا مثلاً، وضعنا نظاماً داخلياً لاختيار لجنة المعلمين ونجري انتخابات كل 3 سنوات ونأخذ القرارات من خلال الجمعيات العمومية. نقابة المعلمين ليس لديها أي دور أو سلطة فعلية على إدارة المدرسة، ولا تستطيع أن تتدخّل لحماية المعلمين المصروفين من العمل بالحد الأدنى. أقصى موقف يمكن أن يتخذه النقيب هو الاستنكار، إذ ليست لديه صلاحية أن يفتح تحقيقاً أو يرفع دعوى ضد المدرسة.

لماذا ليست هناك سلطة من نقابة المعلمين على إدارات المدارس؟
- الانتساب إلى نقابة المعلمين ليس ملزماً للمعلم، ويستطيع أيّ شخص كان دخول مهنة التعليم من دون أن يحصل على إذن لمزاولتها. وهذا الأمر تستغله إدارات المدارس، لكون النقابة لا تحدّد ساعات التعليم والراتب المستحق لكلّ معلم. ثم إن المجلس التنفيذي للنقابة هو عبارة عن كوتا للطوائف، فرئيس النقابة ماروني وأعضاء المجلس يمثلون المؤسسات التربوية الكبرى مثل المقاصد والمبرات والمدارس الكاثوليكية. وبالتالي، فإن النقابة تعكس مصالح الأحزاب المسيطرة على المدارس. المدارس الخاصة سلطة بحد ذاتها، ووزارة التربية تتعاطى معها على هذا الأساس.
نقابة المعلمين لا تتدخّل لحماية المعلّمين المصروفين


هل يعرف المعلمون حقوقهم؟
ليس كل المعلمين، والسبب أنه ليس هناك تواصل وتنسيق بين النقابة ولجان المعلمين في المدارس. فالنقابة تعلن الإضراب والمعلم لا يستطيع تنفيذه بضغط من إدارة المدرسة. ما نطلبه من المعلمين هو التريّث في توقيع العقد والسؤال عن درجة التعيين وقيمة الراتب المستحق والتأكد من أن المدرسة تصرّح عنهم لصندوق التعويضات، وما إن كانت المدرسة تطبق القوانين أو لا.

المعلمون يخافون أن يضربوا لأن المدارس تهدّدهم بالحسم من رواتبهم؟
- هذه ليست حجة لعدم التحرّك، فالبعثة الفرنسية اتخذت قراراً في الآونة الأخيرة بحسم أيام الإضراب، ورغم ذلك أكملنا التحرك لانتزاع حقوقنا. المشكلة أن جزءاً لا بأس به من المعلمين يرضخون للإدارات.

كيف ذلك؟
- الإدارة تمارس نوعاً من الاستزلام. تستخدم أساليب الترغيب والترهيب. تمسك المعلم بـ«الإيد اللي بتوجعو»، أي أولاده الذين يتعلمون مجاناً. المدارس تفعل ما تريد، وتهديدات وزير التربية لا تُصرف في مكان، بعدما قبضت الإدارات مبالغ بالدولار من الأهل. وبالأزمات، علينا أن نفكر بحلول استثنائية ووضع رؤية وسياسة تربويتين جديدتين لإعادة تنظيم القطاع التعليمي.