يُعدّ تعويض الفاقد التعليمي أحد الأهداف الرئيسة المعلنة للمدرسة الصيفية، بحسب ما جاء في «بوستر» أعدّته وزارة التربية. لكنّ السؤال عن الجدوى مشروع في ظلّ غياب أي قياس للمعارف والمهارات لدى التلامذة، وللأساليب التعليمية التي اتّبعها الأساتذة في تحسين قدرات تلامذتهم، أو دراسة لأثر المدرسة الصيفية التي افتتحت العام الماضي على التلامذة ورصد الفروقات بين من شارك من التلامذة فيها وبين من لم يشارك.وبحسب المستندات التي زوّدتنا بها رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء، هيام إسحاق، اكتفى المركز بتوزيع استبيان على المديرين والمعلمين لتحديد ما أنجزوه من «الدروس المقلّصة» خلال العام الدراسي 2021 ـ 2022 والأهداف المتوخّاة منها لغاية آذار 2022 (علماً أن إسحاق أشارت إلى أنه جرى توزيع استبيان ثان في نهاية العام الدراسي، لكن يبدو أن نتائجه لم تصدر بعد) «وهذا لا يعني أن التلميذ اكتسب هذه الدروس فعلاً ولم يعد لديه فاقد تعليمي، إذ إنّ عدم الإنجاز يدلّ على جزء من الفاقد وليس الفاقد الحقيقي».
مصادر أكاديمية سألت: «كيف سيتمّ بناء برنامج المدرسة الصيفية من دون معرفة واضحة للفاقد التعليمي غير نسبة إنجاز الدروس حتى آذار 2022»، مبدية خشيتها من أن لا يتجاوز المشروع هدر الأموال والتنفيعات السياسية والشخصية.

مخيم ترفيهي؟
هذا العام، ستُفتح المدرسة الصيفية في الأول من آب وتنتهي في 8 أيلول حيث تشمل المرحلة الأساسية، وقد أضيف إلى هذه السنة صفا السابع والثامن من الحلقة الثالثة في مواد الرياضيات واللغات (إنكليزي/فرنسي) والعلوم. وتتضمّن المدرسة أنشطة ترفيهية وتثقيفية تدعم التعلّم الانفعالي الاجتماعي وتهدف إلى تعزيز الرفاه لدى المتعلّمين (well being).
ليس هناك معيار موحّد لاختيار التلامذة الذين سيشاركون في المدرسة الصيفية، ولا يزال انتسابهم إليها اختيارياً ومجانياً، ما يعني أن فرصة استكمال اكتساب الكفايات في الصفوف التي درسوها في العام الدراسي الحالي 2021 ـ 2022، إن وجدت، لن تكون متاحة لجميع التلامذة في المدارس الرسمية والخاصة. وليس معروفاً ما إذا كانت المدرسة الصيفية ستعود عليهم بالفائدة التربوية، ولا سيما أن الأداء متفاوت بين تلميذ وآخر، ما سيجعل تعامل المعلّمين معهم صعباً، بما أن هؤلاء لن يكونوا تلامذتهم بالضرورة، وأن المشروع يسمح للمعلّم والتلميذ أن يلتحقا بالمدرسة الموجودة في مكان سكنهم. لكن من المديرين من قلّل من حجم الإرباك الذي يمكن أن تسبّبه المدرسة الصيفية لجهة تعامل المعلّمين مع غير تلامذتهم، فالتكيّف مع هذا الوضع يمكن أن يحدث في أيام قليلة. في المقابل، لا يعوّل بعض الأساتذة كثيراً على النتيجة، إذ لا ينتظرون، كما قالوا، أن يكون المشروع أكثر من «كولوني» (مخيم ترفيهي).

تمهيد للعودة إلى المدرسة
لدى المركز مقاربة مختلفة للمشروع، إذ توضح إسحاق أن «المدرسة الصيفية تمثل المرحلة الأخيرة من خطة العودة إلى المدرسة لعام 2022، وقد استندت إلى دراسات عالمية ومحلية أجراها المركز، ولا سيما دراسة إنجاز المواضيع/ الأهداف الأساسية والتحدّيات التي واجهت المعلّمين والتلامذة من وجهة نظر المعلمين، ودراسة إنجاز المواضيع/ الأهداف الأساسية والتحديات التي واجهت المديرين والمعلمين والمتعلّمين من وجهة نظر المديرين والمعلمين (البعد التربوي، البعد الإداري، البعدان الانفعالي والاجتماعي). وقد تطرّقت الدراستان إلى التحدّيات التي واكبت المدرسة الصيفية للعام الماضي على صعيد الممارسات الإدارية والممارسات التعليمية التعلّمية والعوامل الانفعالية والاجتماعية والاقتصادية والتقنية والفنية.

دراسات قيد الإنجاز
تقرّ إسحاق بأن هناك دراسات لا تزال قيد الإنجاز، ومنها بشكل أساسي دراسة نتائج التقويم التشخيصي لمواد الرياضيات والعلوم واللغات في الحلقات الأولى والثانية والثالثة من التعليم الأساسي خلال العام الدراسي المقبل، وذلك بالتعاون مع برنامج كتابي (برنامج مموّل من البنك الدولي)، والتحليل المتخصّص لنتائج الامتحانات الرسمية للعام الدراسي 2020-2021 في صفوف الشهادات الثانوية، بعدما أظهر التحليل العام أن هناك إشكاليات على مستوى التحصيل التعلّمي لدى التلامذة، إضافة إلى تحليل لنتائج الامتحانات الرسمية لكلّ الشهادات (المتوسطة والثانوية بفروعها الأربعة، التحليل العام والتحليل المتخصّص للمواد الأكاديمية) لعام 2022. وعمّا إذا كانت هناك دراسة ميدانية مشتركة عن الفاقد التعليمي بين المركز التربوي وبين المديرية العامة جرى البناء عليها لتنظيم المدرسة الصيفية للتربية، تنفي إسحاق ذلك، «فالدراسات مهمة منوطة بالمركز حصراً».
لا دراسة ميدانية بين المركز التربوي والمديرية العامة للتربية عن الفاقد التعليمي


كذلك تعزو إسحاق الاكتفاء باستطلاع آراء الأساتذة والمديرين، وعدم الوقوف على أوضاع الطلاب والمكتسبات التي حقّقوها، إلى أن دراسة الفقدان التعليمي على مستوى المتعلّمين والتي تراعي المنهاج المعدّل (تعميم رقم 13/ 2022)، وتتوجه إلى المتعلمين، سوف تُنجز في بداية العام الدراسي 2022 -2023، علماً أنها كانت مقرّرة لهذه السنة ولكن لأجل تحدّيات تقنية جرى تأجيلها إلى السنة المقبلة.
وعن التأخير أيضاً في دراسة تحليل الامتحانات لصفوف الشهادات لعام 2020-2021، والجدوى من إجرائها بعدما أجريت امتحانات عام 2021 - 2022، قالت: «أنهينا تحليل الواقع والتحليل العام لنتائج الامتحانات الرسمية لعام 2020- 2021، وقد عرضنا النتائج (مسوّدة أخيرة) وجرى استثمارها في التحضيرات للامتحانات لهذا العام. أما في ما يتعلّق بتحليل نتائج المواد فإننا ندرسها بغاية رصد الاتجاهات لعام 2020-2021 التي جرت على منهج مقلّص، بعد سنتين من التعلّم عن بعد وهناك حاجة إلى تحليل متخصّص لرصد أعمق للثغر التي تضمنتها المواد بناءً على تساؤلات نتجت من التحليل العام، كما سندرس نتائج هذه السنة لعام 2021-2022 وأيضاً ندرس الاتجاهات ضمن المواد».

إقبال كثيف
رغم كلّ هذه الملاحظات، فوجئ مديرو المدارس الرسمية بالإقبال الملحوظ على المدرسة الصيفية، بحيث تسجّل في إحدى المدارس مثلاً 400 تلميذ حتى الآن، علماً أن مهلة التسجيل انتهت أمس. وعزت مصادر إدارية المسألة إلى مجانية الدورة، علماً أن بدل النقل على عاتق الأهل، ولو كان مؤمّناً لكان الإقبال أكبر.