تسود حالٌ من الاستنفار والقلق لدى عشرات المعلمين في التعليم الثانوي الرسمي، بعد صدور قرار نقل عدد منهم بشكل استنسابي وكيدي، في سابقة خطيرة لم تحدث في وزارة التربية حتى في أيام الحرب الأهلية أو بعدها. فبعد عشرات طلبات النقل التي التزم فيها المعلمون، وفق الأصول المتعارف عليها، بهدف نقلهم إلى ثانويات قريبة من مساكنهم لتوفير كلفة النقل والانتقال، صدر خلال العطلة قرار نقل لعدد من المعلمين، من الذين لم يقدّموا طلبات نقل، بل من الذين يريدون البقاء حيث يعملون، ليجدوا أنفسهم بعد هذا القرار ملزمين بالعمل في مدارس بعيدة عن أماكن سكنهم ما يكبّدهم كلفة نقل إضافية في هذه الظروف القاسية، والسبب «هو الانتقام والكيد، بناءً على طلب مديريهم، أو بهدف تأمين مكان شاغر لنقل أصحاب النفوذ»، بحسب أحد المعلمين الذي شمله القرار بنقله من إحدى ثانويات النبطية إلى ثانوية تبعد أكثر من 17 كلم، علماً أنّ مديرة الثانوية التي نُقل منها، رفضت نقله، نظراً إلى الحاجة إليه، «لكن تبيّن أنّ السبب هو خدمة مدرّس آخر».
القرار عينه ضمّ نقل مدرّسة اللغة العربية زهراء قطيش، من ثانوية «حكمت الصباغ للبنات» في مدينة صيدا، التي تدرّس فيها منذ 10 سنوات، إلى ثانوية «البزري الرسمية»، رغم أنها لم تقدّم طلب نقل. ويعود السبب، بحسب قطيش، إلى أنها عبّرت عن رأيها سابقاً بأنّه «يجب أن يتمّ تكليف أحد المتقدّمين الخمسة لتولي الإدارة في الثانوية، بأعمال الإدارة المؤقتة، كي لا يكون ذلك حافزاً لفوزه بالإدارة، الأمر الذي أغاظ المكلّفة الجديدة بأعمال الإدارة».

وتشير قطيش إلى أنّ «المديرة المكلّفة الجديدة بدأت بالتضييق عليّ من خلال برنامج التدريس واختيار الصفوف التي أدرّس فيها، إلى أن صدر قرار نقلي المفاجئ إلى ثانوية البزري، بعد أن كنت قد واجهت المديرة، إثر استجواب قدّمته إلى التفتيش التربوي بحقّي، فيه الكثير من الافتراءات، علماً أنّني أدرس نصابي القانوني، وقرار نقلي أدّى إلى نقل مدرّسة أخرى إلى الثانوية كان من الممكن نقلها إلى حيث تمّ نقلي من دون أن يرتّب ذلك أيّ كلفة مالية على الوزارة».

وتؤكد قطيش أنّها ستقدّم شكوى إلى التفتيش التربوي بشأن ما حصل «خصوصاً أنّ قرار التعيين يأتي بمرسوم أعلى من قرار النقل الذي لم أوافق عليه».

ومن ثانوية ديركيفا الرسمية تمّ نقل المدرّس يوسف حمادة، المقيم في البلدة، إلى ثانوية البازورية التي تبعد عن مكان سكنه أكثر من 15 كلم، علماً أنّ حمادة حائز شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع، وهو أحد المتقدّمين لتولي إدارة ثانوية ديركيفا، وبدعم من أبناء البلدة، لكن ما حصل، بحسب حمادة، أنّ «جهة سياسية كلّفت شخصاً آخر من خارج البلدة، وهذا الأخير عمل على نقله قبل سنتين إلى ثانوية البازورية لكنّ الوزير طارق المجذوب أوقف القرار».

ويشير حمادة إلى أنّه بعد أشهر فوجئ بنقل زوجته أيضاً إلى ثانوية البازورية، وقبل أيام وافق الوزير الجديد على إعادتها إلى ثانوية البلدة، بعد التأكّد من أنّ القرار السابق استند إلى معلومات خاطئة من بينها أن «زوجتي تقيم في البازورية، لكن بعد هذا القرار صدر قرار بإعادة نقلي كيداً إلى البازورية». ويؤكد حمادة أنّ «نقله إلى البازورية سيكبّده أموالاً طائلة بسبب كلفة النقل».

وفي مدينة صور، تمّ نقل إحدى مدرّسات الأدب الفرنسي من إحدى ثانويات المدينة إلى ثانوية «شحور الرسمية»، التي تبعد 18 كلم من مكان إقامتها، ودون موافقتها، وهي لا تملك سيارة نقل، كل ذلك بهدف «نقل مدرّسة أخرى إلى صور تلبية لمصالح سياسية».

ويؤكد أحد المدرّسين الذين تمّ نقلهم أنّ «ما حصل هو مؤشر خطير إلى ما وصلنا إليه، فالعاملون في الوزارة يتصرّفون وكأنّهم أوصياء على المعلمين، ومن دون علم الوزير، وهذا الوقت ليس وقتاً للانتقام من المعلمين لأنّ ظروف المعلمين الاقتصادية قاسية جداً، والانتقام منهم بنقلهم إلى أماكن بعيدة يعني إلزامهم بشكل غير مباشر بالاستقالة من الوظيفة».

وقد تداول عشرات المعلمين على مواقع التواصل الاجتماعي حالات مشابهة، علماً أنّ قرارات النقل تأتي دائماً بناءً على طلب المعلمين من جهة، وبناءً على حاجات المدارس، حتى إنّ معظم المعلمين الذين يتمّ رفض نقلهم يكون بسبب عدم التزامهم بتقديم طلبات نقل رسمية.