و إذ نعيش في مجتمعاتنا حالياً شعوراً بأننا بدأنا رؤية الضوء في آخر النفق بسبب اللقاحات، لا سيما من وزارات الصنف الثاني، لا بدّ لنا أن لا نبالغ بذلك التفاؤل لأنّ اللقاحات بحد ذاتها تجارب لا نعرف إلى أين تتجه. فها هو لقاح من أشهر اللقاحات يُجمّد استخدامه بين ليلة وضحاها بسبب عوارض بدأ يتسبب بها. وهناك متحوّر جديد للفيروس لا يمكن لفحص PCR تمييزه، وبالطبع العلماء لا يزالون لا يعلمون ما إذا كانت اللقاحات ستكون مجدية معه. فمن الممكن بمكان، أن يتبدّد الضوء الذي نودّ أن نتخيله آخر النفق.
لا أقصد أن أكون سوداوية ولكن الإتحاد الإفريقي أعلن، على سبيل المثال، أنه يحتاج إلى ثلاث سنوات لتلقيح 60% من سكانه، وإن دلّ هذا على شيء، فهو يدلّ على أن التّعافي من كورونا والعودة لما كنّا عليه يكاد يكون مستحيلاً لسببين اثنين. أولاً، إن عملية التلقيح 100% ستتطلب ما يقارب خمس سنوات. وثانياً، على سبيل المثال نفسه، ووفقاً للأرقام المذكورة من الإتحاد الإفريقي. فإنه مع مرور وقت كهذا لن يكون روّاد المدارس قادرين أصلاً على العودة لما كانوا عليه، حتى لو أُتيح لهم ذلك. لأنهم سيكونون قد تغيروا وتغيرت معهم طرائق العمل التي يستطيعون أداء مهامهم بواسطتها.
إذاً يجب أن نعي جميعاً أن ما قبل كورونا، ليس كما بعدها. فتقرير ماكنزي يقول أننا «لا زلنا لا نستطيع تصوّر الأثر الحقيقي لكوفيد-19 على منظومة التعليم» وأنه لا زلنا نحتاج لوقت طويل لنفهم ذلك الأثر. وتتسارع الدول حالياً إلى رصد الموازنات لما يسمّونه «بإعادة المنظومة التعليمية إلى السكّة» . فبريطانيا خصصت 1 بليون جنيه استرليني لترميم التعلّم في المدارس، بينما خصّصت الولايات المتحدة الأميركية 40 بليون دولار لترميم التعلّم في الجامعات.
نحن مُجبرون للنظر إلى المنظومة التربوية بشكلٍ مختلفٍ، لإيجاد طرائق جديدة لحل مشكلات قديمة أو مستحدثة. إنها معركةٌ لن تنفع معها أسلحتنا وأدواتنا وأفكارنا القديمة. نحن بحاجة للتفكير «من خارج الصندوق» أكثر من أي وقتٍ مضى، وأن لا نُكرّر أنفسنا وأفكارنا. فتلك الأدوات والأفكار لم تُصلح المنظومة التربوية الموجودة والمهترئة أصلاً قبل كورونا، والفحص الأكبر لها كان هذه الجائحة. فالمنظومة لم تستطع امتصاص الصدمة ووجدت نفسها عاجزة فتجمّدت؛ وقد قرّر صنّاع القرار الانتظار الذي يبدو أنه لن ينتهي أو أنهم سينهونه مقابل ثمن ضخم يتمثل بإعادة روّاد المدارس إليها، بما يعنيه ذلك من «مجازفة كبيرة بالأرواح».
والأسوأ أن الكثيرين من صُنّاع القرار زادوا الطين بِلّة عبر التشديد على المركزية باتخاذ القرارات، علماً أن أبسط علوم الإدارة في الأزمات تقضي باعتماد اللامركزية الإدارية. فاللامركزية، مع وجود الأطر المناسبة للمحاسبة، تسمح بظهور الحلول والأفكار المبدعة التي بكثير من الأحيان لا يمكن أن تخطر ببالهم وتُشكّل نواةً للحل.
لن يكون روّاد المدارس قادرين على العودة الى ما كانوا عليه حتى لو أُتيح لهم ذلك
إنّ الدروس المستقاة من الحَجْر لدى الوزارات من النوع الأول، لا ترتبط بما يجب أن تقوم به في حال تعرضها لجائحة أو كارثة أخرى، فتقاريرها تقول بأنه يجب التركيز على جعل الأنظمة التعليمية أكثر تماسكاً. وأن يجري العمل على تحديد المهارات التي يحتاجها المعلمون فيعزّزونها لديهم، وفيما بينهم. إضافةً إلى الاستفادة من الابداعات المفيدة وصولاً إلى تصميم التغيير الإيجابي الذي يساهم بتحسين جودة التعليم.
ولو أردنا أن نرى ذلك الضوء في آخر النفق لا بد أن نفسح المجال لمن هم في موقع العمل مع المتعلمين، أن يكونوا جزءًا من الحلول بدلاً من كونهم منفّذين لقرارات صنّاع القرار التربوي، الذين بغالبيتهم لم يمارسوا التعليم يوماً ، أو لم ينجحوا في ممارسته. فهل يعرف المعنيّون بصنع القرار التربوي، بعد أن استنزف الانتظار منظوماتهم التربوية، السبيل إلى هذه القنوات ؟ هل يجرب صنّاع القرار التربوي طرائق جديدة، ليعبروا هذا النفق؟
* أستاذة جامعية وباحثة تربوية
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا