مراكش | حفلة افتتاح «المهرجان الدولي للفيلم في مراكش» قبل أيام كانت سَلَطة سينمائية بامتياز. موسيقى مكسيكية ارتفعت في «قصر المؤتمرات» الذي امتلأ بنجوم السينما احتفاءً بالمكسيك، ضيفة شرف الدورة الـ 11 من المهرجان، التي تستمرّ حتّى العاشر من الشهر الجاري... قبل أن تتحول الأنظار إلى النجم الهندي شاروخان، الذي كرّمته الدورة. اختيار الهندي الوسيم لم يكن اعتباطياً. خلال العقود الأخيرة، راكم المغاربة حبّاً كبيراً للسينما الهندية، وتحول شاروخان إلى إحدى الأيقونات السينمائية في العديد من مدن المملكة.
وإن كانت صالات عديدة ما زالت على قيد الحياة في المغرب، فذلك يعود إلى السينما الهندية، وتحديداً إلى الممثل الذي يزكي مخيال أبناء الطبقات المسحوقة، الذين يجدون فيه رديفاً لخيباتهم وحلمهم بعالم أفضل.
ولحسن الحظ لم يفت المنظمين تكريم المغربي محمد بسطاوي، مع الأميركي صاحب «الأوسكار» فورست وايتيكر، ومخرج «لاس فيغاس بارانو» تيري غيليام، إلى جانب المخرج الإيطالي ماركو بيلوكيو، والممثل والمنتج الفرنسي من أصول مغربية رشدي زام.
تضمّ المسابقة الرسمية أفلاماً من جنسيات مختلفة. أما الشريط الوحيد الذي يمثل المغرب في المسابقة، فهو «عاشقة الريف» لنرجس النجّار، بينما تنتمي الأعمال الأخرى إلى: إيران («الموت مهنتي» لأمير حسين سغافي)، وفرنسا («لويز ويمر» لسيريل مينغان)، وإسبانيا («لا تخف» لمونتكسو أرمنداريز)، والولايات المتحدة ( «من دون» لمارك جاكسون) ودول أخرى وصولاً إلى المكسيك («نهر الذهب» ريو دو أورو).
رئيس «المركز السينمائي المغربي» ونائب رئيس «مؤسسة مهرجان مراكش» نور الدين الصايل عزا اختيار المكسيك ضيفة شرف هذا العام إلى أنّها الأكثر نضجاً بين تجارب أميركا اللاتينية، وإلى اطلاع المغاربة على أعمالها.
لجنة تحكيم المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة يرأسها صاحب «حلم أريزونا» للمخرج الصربي إمير كوستوريتسا، بعضوية الأميركية جيسيكا تشاستين، والإيرانية ليلى حاتمي، والمخرج المغربي عبد القادر لقطع، وكل من الفرنسية نيكول غارسيا، ومواطنها رادو ميهيلانو، صاحب «نبع النساء» («الأخبار»، ٢٤/ ١٠/ ٢٠١١)، إضافة إلى السينمائي الفيليبيني المعروف بريانتي مندوزا وآخرين. أمام ضخامة المهرجان، والضيوف الكبار الذين يحلّون عليه سنوياً، ترتسم دوماً علامات استفهام حول الميزانيات الحقيقية لهذه التظاهرة، لكن الطَّرق على أبواب مسؤولي السينما في المغرب، يبقى طرقاً على أبواب منازل مهجورة، إذ لا أحد يرد، وإدارة المهرجان تتكتم على ميزانية المهرجان، الذي يرأسه شرفياً الملك محمد السادس، وفعلياً أخوه الأمير مولاي رشيد. غير أنّ الشائعات تشير إلى ميزانية تقدَّر بملايين الدولارات. إدارة المهرجان (أغلبية طاقمها فرنسي) لا تتواصل مع الإعلام الوطني، بل تجعله في آخر اهتماماتها. بينما تتحول وسائل الإعلام الأجنبية إلى الطفلة المدللة لإدارة المهرجان. كأنّ مهرجان مراكش ليس موجهاً للاستهلاك المحلي، (سينمائياً أساساً وإعلامياً ثانياً)، بل إلى جمهور أوروبي وأميركي، ولصناع السينما الهوليووديين الذين يرون في الطبيعة المغربية استوديوهات يصوّرون فيها أفلامهم التاريخية، وأفلام الخيال العلمي، بكلفة أقلّ.
برمجة متنوعة، وأسماء من كل قارات السينما وأشكالها! هذا رهان مراكش، لكن المهرجان يطرح أكثر من سؤال عن حضور السينما الوطنية. إن كان المهرجان يضع المغرب في قائمة التظاهرات السينمائية الدولية المهمّة، فإنه يطرح أكثر من سؤال عن جدواه في واقع سينمائي يسهل وصفه بـ «البدائي».
الفن السابع المغربي يقبع في الحضيض، باستثناء بعض التجارب الفريدة التي استطاعت أن تحقق شروط الاحترافية والوصول إلى جمالية خاصة تنغرس في السياق المغربي، لكنّها ذات مرجعيات سينمائية عالمية (فوزي بنسعيدي، نور الدين الخماري، نبيل عيوش، داوود ولاد السيد.. وتجارب أخرى شابة). معظم التجارب تستهلك سيناريوهات، وقصصاً فاشلة، وكثيراً ما تلجأ إلى الاستسهال على كل المستويات: الصورة، البناء الدرامي، الأداء.. لكنّ السينما الشابة تحضر في عروض أطلقت عليها تسمية «خفقة قلب مغربية» مع كل من هشام العسري (النهاية)، ولليلى الكيلاني (على الحافة)، ومحمد نظيف (الأندلس حبي).
حفلة الافتتاح تميزت بحضور ثلة من السينمائيين العالميين والنجوم المصريين، منهم أحمد السقا، وخالد صالح، وزينة، وفتحي عبد الوهاب مقابل حضور باهت للممثل المغربي. حضور التفتت إليه الإدارة ببرمجة فيلمين مغربيين في الافتتاح والاختتام، هما «عاشقة الريف» لنرجس النجّار، التي تحكي معاناة نساء شمال المغرب مع تجارة المخدرات، و«موت للبيع» لفوزي بنسعيدي، الذي يغوص في العوالم السفلية للمدن المغربيّة الكبرى، حيث الفقر والدعارة. ونشير أيضاً إلى برنامج «خفقة قلب مغربية» الذي يعرض بضعة أفلام محلية... محاولات خجولة لتدارك إهمال السينما الوطنيّة التي ضحّي بها على مذبح هلجس «الإشعاع العالمي للمهرجان». يا للوهم القاتل!
www.festivalmarrakech.info