عمّان | لم تعد الضغوط التي تمارسها الدولة في الأردن على الإعلام أمراً جديداً. وقدّ أدى هذا الوضع إلى تردّي المشهد الصحافي في المملكة، ما أنتج تلفزيوناً رسمياً يخاطب الجمهور بلغة الثمانينيات، وإذاعات يمينيّة تخوّن وتهدّد كل من لا يتوافق مع رأيها، وصحفاً مقصيّة وممنوعة من فتح ملفات جدليّة. إلا أنّ وسيلة إعلامية واحدة تمكّنت من اختراق كل التابوهات المحلية، ورفعت سقف الصحافة المحلية، وبثّت الذعر في الأوساط المحافظة. إنها جريدة «العرب اليوم»، التي استطاعت بنزعتها القوميّة، وتحرّرها من سطوة الرقابة الحكوميّة أن تكون السبّاقة إلى كشف ملفات الفساد الاقتصادي والسياسي في السنوات الأخيرة.
يقف خلف هذا الإنجاز الإعلامي اليتيم في الأردن، الثلاثي طاهر العدوان (رئيس مجلس الإدارة)، وفهد الخيطان (رئيس التحرير)، وسلامة الدرعاوي (مدير تحرير القسم الاقتصاديّ). لكن هذا الثلاثي نفسه قدّم استقالته الأسبوع الماضي من الصحيفة بسبب «التباين في وجهات النظر بينهم وبين مالك الجريدة، إلياس جريسات، حول السياسات التحريريّة والترويجيّة». وقد عقد جريسات مؤتمراً صحافيّاً قال فيه إن سبب الاستقالة هو... «خلاف على اللوغو الجديد المقترح للصحيفة»، نافياً وجود خلافات جوهريّة بين الطرفين.
«اللوغو» إذاً سيكون سبباً في نهاية مدرسة إعلاميّة حارب من أجلها الثلاثة. في حديثه مع «الأخبار»، ينفي جريسات، الذي أصبح مالك الجريدة قبل أربعة أشهر، وجود خلافات بشأن السياسة التحريريّة. ويرجع سبب الاستقالات إلى خلافات حول وجهات النظر في «إعادة تصميم الجريدة وإخراجها». ويشير إلى أن رأس المال منفصل عن السياسة التحريرية، وأن الجريدة شهدت في عهده «سقفاً عالياً، ولم يتم التدخّل في المقالات، لا قبل استلامي للجريدة، ولا أثناء عملي ولا في المستقبل». وأضاف إنّ الصحيفة «لا تزال قويّة بسقفها العالي وجودة كتّابها ومحتواها» ومبشّراً بعهد جديد تنفتح فيه الجريدة على محيطها العربيّ والعالميّ. وقد بدأ ذلك ـــــ بحسب جريسات ـــــ عبر افتتاح مكتب لـ«العرب اليوم» في الصين، والتخطيط لإصدار نسخة إنكليزيّة.
أما سلامة الدرعاوي، فيعزو الاستقالات في حديثه لـ «الأخبار» إلى «مجموعة إجراءات تراكمت منذ 4 أشهر، ووضعت عقبات أمام استقلاليّة التحرير»، مشيراً إلى «تدخّلات المالك الجديد ونائب رئيس مجلس الإدارة في المواد والأقسام، ومحاولات لإدخال مواضيع وأقسام تجذب الاستثمارات على حساب المواد والاستقصاءات الجريئة». ويعدّد ملفات الفساد التي كشفتها الصحيفة خلال عمله فيها مع المستقيلَين، وأبرزها خبر تهريب أحد رجال الأعمال المتهمين بقضايا فساد إلى خارج الأردن، وبيع شركة «أمنية» للاتصالات، وملف «الكازينو»، والكشف عن تنظيم شركة Publicis لـ«مهرجان» الأردن بعد تنظيمها احتفالات «عيد الاستقلال» في الكيان الصهيوني. وغيرها من الملفّات التي حقّق الثلاثيّ من خلالها سبقاً صحافيّاً. وأكد أن تغيير «اللوغو» هو تغيير لهويّة الجريدة، لكن ماذا عن خططه المستقبلية؟ يبدو أن الدرعاوي لم يخطّط لأي مشروع بعد، مشيراً إلى ارتباطه المهني والأخلاقي بالعدوان والخيطان، مفضّلاً العمل معهما على مشروع واحد. لا شكّ في أن الانفصال القسري للصحافيين الثلاثة عن «العرب اليوم» خسارة مؤلمة للمشهد الإعلاميّ الأردنيّ، لكنّه مؤشّر واضح على أن هذه الساحة ليست حرّة، لا سياسيّاً ولا اقتصاديّاً.