في دورته السادسة، التي اختُتمت أخيراً، حلّ الفنّ السعودي ضيفاً على «معرض اسطنبول للفنون المعاصرة» هذا العام، عبر اسمين كرّسا مكانتهما في المشهد الفني المعاصر في المملكة، هما: أحمد ماطر وعبد الناصر غارم. تجتمع في أعمال ماطر (1979) تقنيات التصوير الفوتوغرافي، والخط، والرسم والفيديو والتجهيز، داخل سرديات تعيد إنتاج الثقافة العربية والإسلامية. في «تطوّر الإنسان» (علبة ضوئيّة، ٢٠١٠)، يستوحي نظريّة داروين عن تطوّر الإنسان.
وكان الطبيب الشاب قد استلهم من مناخات مهنته صورةً ذاتيّة له بالأشعة السينية، وهو يوجّه إلى رأسه مضخّة كأنّها مسدس. الصورة التي تعدّ اختراقاً في تقنية التجهيز داخل السعودية، تتدرّج ملامحها من ظلال كائن بشري إلى مضخة بنزين، في إشارة نقدية إلى طغيان الحياة الاستهلاكية في المملكة والخليج بعد الطفرة النفطية التي استحكمت بمفاصل الحياة الاجتماعية والسياسية هناك. في عمل آخر، يعرض ماطر بوستر «البقرة الصفراء» الفكرة التي أخذها عن القصة القرآنية، في محاولة جريئة لتحطيم مثاليتها وقدسيتها في الموروث الإسلامي، محولاً إياها إلى علامة تجارية.
أما عبد الناصر غارم (١٩٧٣)، فكان رائداً في الجيش السعودي قبل أن يختار طريق الفنون البصريّة. وكان عمله «رسالة/ رسول» قد حقق سعراً قياسياً لفنان عربي في مزاد «كريستيز» دبي قبل أشهر (٨٤٢،٥ ألف دولار). يطرح الفنّان فكرة الاحتلال والسلام الصعب عبر تجهيز من الخشب والنحاس بارتفاع ثلاثة أمتار، يجسّد قبّة الصخرة في القدس المحتلّة. أما في اسطنبول، فقدّم غارم «صراط» (٢٠١١، طباعة على الحرير). تحيل الصورة إلى عمل فيديو شهير له بالعنوان نفسه (٣،٠٤ د، ٢٠٠٦) عرضه في «حافة الصحراء»، ويتناول العلاقة الجدليّة بين الإنسان والطبيعة في البيئة السعوديّة، من خلال قصّة جسر جرفه الطوفان.
تجربتا ماطر وغارم تقدّمان عيّنة أمينة للحراك الحقيقي الذي تشهده الساحة الثقافيّة عامة، في صراعها من أجل احتلال مكانة في زمنها.



حافة الصحراء


أتيح للجمهور التركي والعالمي مشاهدة أعمال مشروع «حافة الصحراء» في سياق معرض «اسطنبول المعاصرة». هذه المبادرة المستقلة تضم أبرز وجوه الفن السعودي والخليجي المعاصر. ولد المشروع من لقاء بين الفنان البريطاني ستيفن ستابلتون وعبد الناصر غارم وأحمد ماطر في قرية «المفتاحة» للفنون في مدينة أبها عام 2003. بعدها، انطلقت الجماعة من لندن 2008 لتتحوّل «حافة الصحراء» إلى حضن ومنصة جمعت فنانين سعوديين من مختلف الأجيال والمدارس. ولعل النقطة المشتركة بين أعمالهم أنّ الأفكار المستوحاة من البيئة الصحراوية انعكست في أعمال فيديو، وتصوير فوتوغرافي، وخط ومنحوتات وأداء معاصر. جالت أعمال «حافة الصحراء» العالم للمساهمة في حوار الحضارات من عسير إلى جدة ولندن وبروناي و«بينالي البندقية»، وصولاً إلى اسطنبول.
www.edgeofarabia.com

أيمن يسري

الفنان الفلسطيني أيمن يسري (1966) الذي يعيش في جدّة، شارك بدوره في «اسطنبول المعاصرة» باسم المملكة العربية السعودية. وفي سياق تجربته في التجهيز واعتماده على مواد السينما المصرية الكلاسيكية، قام يسري باقتطاع مشاهد من أفلام معروفة، معيداً إنتاجها عبر إيقاع رؤيوي حديث. كذلك، حوّل يسري أفيشات أفلام الخمسينيات والستينيات المصرية إلى تحف منزلية.
يعلّق يسري على تجربته «تلك الأفلام كوّنت وعينا الاجتماعي، وكل سلسلة زمنية من تلك الأفلام، تمثل مرجعاً أساسياً للبحوث الاجتماعية، كما أن المحتوى الفني فيها يعتبر مخزوناً وثائقياً وتسجيلياً نفسياً. حقبة الخمسينيات والستينيات تشير إلى عواطف ومبادئ على عكس حقبة السبعينيات التي كانت تعبّر عن حال مجتمع متفسخ نتيجة الأحداث السياسية».