أشياء كثيرة تغيّرت في مصر بعد الثورة ... وحده جهاز المطبوعات التابع لوزارة الداخلية، لم يتغيّر. منذ أيام، فوجئت الناشرة سميّة عامر، صاحبة دار «كيان» ببعض رجال الأمن يقتحمون مكاتبها، ويسألون عن تراخيص الدار ومطبوعاتها. وعندما أخبرهم أحد العاملين بأنّه مجرد موظف، وأن صاحبة الدار ستكون موجودة بعد ساعات قليلة، تركوه. تخيّلت عامر أن الأمر انتهى عند هذا الحد. لكنّها فوجئت باتصال من المطبعة التي تتعامل معها يعلمونها بأنّ بعض رجال الأمن صادروا «أنت مين» باكورة شاعر العاميّة الشاب تامر عباس. لا علاقة لمضمون الديوان بالقضيّة، فهو من وجهة نظر الناشرة المصريّة عاديّ لا يتضمّن أيّ خروج سياسي. برأيها، فالمسألة تتعلّق بمواقفها السياسيّة، إذ نشطت في الفترة الماضية ضمن مجموعات «لا للمحاكمات العسكرية»، ولجنة «رصد» المنبثقة عن ائتلاف الثقافة المستقلة.

ومهمّة هذه اللجنة تنظيم لجان شعبية في أحياء القاهرة الفقيرة، لتوعية الأهالي على الاستحقاق الانتخابي.
وأمام إصرار مديرة الدار على معرفة أسباب المصادرة، لم تجد الداخلية حجّة سوى القول إنّ المطبعة ليس لديها «إذن طبع» من الدار، وحوّلت الكتاب والدار والمطبعة إلى نيابة «عابدين». طلبت النيابة أوراق رقم الإيداع التي تحصل عليها الدار من «دار الكتب»، فقدّمته سميّة، لكنّ قرار الإفراج عن الكتاب لم يصدر بعد. وهذا ما يعني بحسب صاحبة الدار «تدميراً وتمزيقاً متعمّداً للكتاب»، سيضطرها إلى خسارة مالية كبيرة.
سمية التي شاركت بفعاليّة في الثورة المصرية، ترى أنّ ما يحدث رسالة مقصودة من الأمن المصري. كأنّهم يقولون: «ما فيش ثورة حصلت، ولا تحلموا بأكثر من ذلك».
كأنّ الرقابة بعد الثورة تريد إحكام قبضتها أكثر، ربما لإحساس الرقيب بأنّه يفقد جزءاً من سطوته. ويحكي الشاعر الفلسطيني إيهاب بسيسو أنّه قرر ترك لندن، حيث يقيم منذ سنوات، إلى غزة، وأرسل جزءاً كبيراً من مكتبته الخاصة إلى القاهرة. فتم إيقافها في المطار، ليخبره الرقيب أنّ هناك أربعين عنواناً ممنوعاً من الدخول، أهمها روايات عبد الرحمن منيف، وكتب نصر حامد أبو زيد وصادق جلال العظم وميلان كونديرا. الكتب التي تباع على أرصفة القاهرة، ويمكن تنزيلها عن الإنترنت، لا تزال ممنوعة من دخول مصر، حتى بعد الثورة ...