كأننا عشية الحادي عشر من شباط (فبراير) الماضي، وكأن حسني مبارك لم يسقط: شهداء في شوارع مصر، آلاف الجرحى لا يكادون يجدون من يعالجهم، وهتافات تطالب بإسقاط... المشير. لم تكتمل الثورة المصرية بعد، والنظام الذي ظنّ كثيرون أنه سقط يوم تنحّى مبارك، كشف مجدداً عن أنيابه. لكن هذه المرّة يبدو أن الثوار أكثر تصميماً على إنهاء الحقبة الماضية، «الإضراب عن الطعام حتى إقالة المجلس العسكري ومحاكمته، وتشكيل مجلس رئاسي مدني لا تشارك فيه شخصيات عسكرية، وحكومة إنقاذ وطني، ومحاكمة (المسؤولين في وزارة) الداخلية» كتبت نوارة نجم بعد ظهر أمس على حسابها على تويتر.
نوارة التي عدّها كثيرون صوت المصريين خلال «ثورة 25 يناير»، استعادت نشاطها بزخم منذ السبت الماضي، أي يوم احتدام المواجهة بين المعتمصين في ميدان التحرير والأمن. كذلك الأمر بالنسبة إلى أغلب مدوّني مصر الذين رشّح قسم منهم إلى «جائزة نوبل للسلام».
إذاً استعادت مواقع التواصل الاجتماعي زخمها، فشهدت نقلاً دقيقاً للأحداث الأمنية والسياسية، كما ناشد المدونون كل المواطنين المساعدة في نقل الجرحى إلى المستشفيات. حتى أن بعضهم كتب مفصلاً عن طريقة صناعة أقنعة مضادة للقنابل الغازية، وتلك المسيلة للدموع «نرجو من الجميع صناعة أعداد من هذه الأقنعة وإرسالها إلى الميدان» كتب مالك مصطفى على تويتر. مالك الذي أصابته رصاصة مطاطية في عينه تحوّل هو الآخر إلى أحد رموز «الانتفاضة المصرية الثانية». لكن مالك لم يكن وحده، بل إنّ مصريين آخرين أصيبوا في أعينهم أيضاً، ومن بينهم طبيب أحمد حرارة الذي كان قد أصيب في عينه الأولى خلال «ثورة 25 يناير» وعاد ليتلقّى رصاصة في عينه الأخرى خلال المواجهات الأخيرة. كل هؤلاء تحوّلوا إلى ابطال، انتشرت صورهم على مواقع التواصل، واعتبروا «مثالاً للشجاعة والتضحية في سبيل مصر». لكن هل كان الرصاص وحده ما تسبّب في وقوع جرحى وقتلى؟ «التحليلات المخبرية تقول إن الأمن استخدم التابون في القنابل (مادة سامة جداً وممنوعة) ما يؤدي إلى إصابة من يتنشّقه بنوبات عصبية» كتبت أسماء خيري على تويتر.
على فايسبوك، لم تختلف الصورة. لكن هذه المرة بدت التغطية أكثر دقة. تابعنا ظهور مجموعات وصفحات تفضح عدداً من الضباط في المجلس العسكري وثرواتهم المالية مع صور للقصور التي يعيشون فيها. فيما كان لـ«التلفزيون المصري» حصة من الهجوم، فقام بعض المدونين برصد أداء «ماسبيرو» ووضعوا كل العبارات التي استخدمها المذيعون للتحريض على الثوار. وقد انتشرت صور لرجال الأمن الذين حاولوا الدخول بين المتظاهرين، كما تناقل المدوّنون صورة العسكري المتّهم بإطلاق النار على عيون المتظاهرين مع عبارة «مطلوب حياً أو ميتاً... ويا ريت حياً». كذلك شاهدنا الفيديو الشهير الذي يظهر رجال الشرطة وهم يجرّون في الشارع جثة أحد المتظاهرين، ثمّ يرمونه على جنب الطريق.
عاد المصريون إلى الشارع، وعاد المدونون إلى شاشاتهم، لكن هذه المرة يبدو أن الثوار يدركون جيداً ما يواجهونه ولن ينسحبوا قبل «تحرير مصر» كما كتب المدون حسام حملاوي مردداً على حسابه على تويتر «ارفع كل رايات النصر... احنا شباب بيحرر مصر».