انطلقت «المؤسسة العربية للصورة» في بيروت عام 1997. ومنذ ذلك الحين، وهي المؤسسة الوحيدة المعنيّة بحفظ التراث الفوتوغرافي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والشتات العربي. بعد أربعة عشر عاماً من العمل الدؤوب في مركزها في «ستاركو» (وسط بيروت)، نقلت المؤسسة مكاتبها إلى الجميزة الأسبوع الماضي. يؤمّن المركز الجديد مساحة أوسع للتفاعل مع زائريه، خصوصاً في ما يخص مركز الابحاث، والمكتبة التي تحتوي على أكثر من ألف مادة من كتب وأفلام. تشدّد مديرة المؤسسة زينة عريضة على «أنّ التوجه نحو تمرير الخبرات إلى مؤسسات أخرى في العالم العربي أصبح ضرورياً اليوم، لخلق تفاعل أكبر مع المحيط الإجتماعي والفني في المنطقة».
ما عاد الهمّ الأول للمؤسسة توسيع أرشيفها إذاً، بل نقل خبراتها إلى مؤسسات أخرى. لهذا، تعمل اليوم على مساعدة المؤسسات والأفراد ممن يملكون أرشيفاً فوتوغرافياً، لحماية صورهم والحفاظ عليها. من هنا أطلقت مشروع MEPPI (مبادرة الحفاظ على الصور الفوتوغرافية في الشرق الأوسط) بالتعاون مع «قسم حفظ الفنون في جامعة ديلاوير» الأميركيّة، و«متحف المتروبوليتان» النيويوركي الشهير، و«معهد غيتي» في لوس أنجليس، و«هيئة متاحف قطر». ويشمل المشروع ثلاث مراحل، أوّلها مسح أرشيف الصور الموجودة في البلدان العربيّة وغرب آسيا، لتقييم أهميتها. في المرحلة الثانية، سيقوم متخصصون بتدريب موظفين مسؤولين عن الحفاظ على المجموعات الفوتوغرافية في المتاحف والمكتبات العربيّة. سيخرج المشروع بخلاصة هي مرحلته الأخيرة، تعرض نتائجها في ندوة عن التراث الفوتوغرافي في منطقة الشرق الأوسط، وتقدّم إلى صناع القرار.
وفي هذا الإطار، استضافت «المؤسسة العربية للصورة» دورة تدريبية منتصف الشهر الحالي، شارك فيها 18 شخصاً من مصر، والعراق، وإيران، والأردن، وفلسطين، ولبنان، والمغرب، وسوريا، ولبنان، معظمهم عاملون في متاحف وجامعات مكتبات، وصحف كـ «النهار» و«الحياة». تخلّلت الورشة تدريبات نظرية وتطبيقية أساسية. وستحاول «المؤسسة العربية للصورة» ضمن هذه الدورات، تطوير المعجم العربي لعالم الصورة الفوتوغرافية وتقنياتها. وهو مشروع كانت قد بدأت العمل عليه منذ فترة، وما زال يحتاج إلى تراكم وبحث وتطوير. وبالتزامن مع الدورة التدريبية، استضاف «مركز بيروت للفنّ» محاضرة بعنوان «الصراع، الإحتشاد، والحفظ ــــــ التصوير الفوتوغرافي والتصوير الرقمي في الفن المعاصر»، تحدّثت خلالها فرانشيسكا فراي من «جامعة هارفارد»، ونورا كينيدي من «المتروبوليتان». تناولت فراي موضوع الصورة الرقمية في عالم الفن، وصعوبة الحفاظ عليها بعكس الإعتقاد السائد، خصوصاً مع تطور الأجهزة الفوتوغرافية والطباعية الإلكترونية، ما يؤدي إلى سرعة هائلة في تغيير شكل الإنتاج الفني للصورة ونوعه. أما كينيدي فركّزت على تجربتها كمسؤولة عن حفظ الصور في المتحف النيويركي الشهير. وتناولت تحديداً النقاش الذي يدور بينها وبين الفنانين أصحاب الصور المعروضة، للتوفيق بين رغبة الفنان في شكل معين للعرض، والمتطلبات التقنية التي تحول دون تلف الأعمال. في جعبة «المؤسسة العربية للصورة» مشاريع أخرى مثيرة. إذ تستعدّ مثلاً للتعاون مع مجلة «السمندل» خلال العام القادم لإنجاز كتاب رسومات مصوَّرة مستوحاة من أرشيفها. كما ستنظّم إقامات فنية لفنانين وباحثين في بيروت. بعد أربعة عشر عاماً من الإستكشاف والتوثيق، يمكن القول إن المشروع الطموح بدأ يجني ثماره. وقد اكتسب مكانة حقيقيّة على الساحة الثقافيّة في المنطقة، عبر لفت الأنظار إلى أهمية الصورة كمادة فنية وإجتماعية وتاريخية وسياسية... وتثابر المؤسسة على لعب هذا الدور الطليعي، وسط غياب أي وعي رسمي من قبل الدولة لأهميّة جمع الأرشيف البصري للبنان والمنطقة، وحفظه، ووضعه بتصرّف المبدعين والباحثين.