رحل روبير حلو في آذار (مارس) 2011، عن ثلاثة وخمسين عاماً، بعدما أنهى آخر منحوتتين له، خاتماً رحلته المطهّرة مع الألم. كان حلو، المتأثّر برسم عصر النهضة، وخصوصاً بمايكل أنجلو، قد قدّم خلال مسيرته، معرضين فقط للوحات. وكان آخر معرض له في أوائل التسعينيات، أشبه بالحدث الاستعراضي في كاتدرائية مار جرجس في وسط بيروت. قبل شهرين من وفاته، التقى التشكيلي اللبناني نائلة كتانة، مديرة «غاليري كتانة كونيغ»، بهدف التنسيق لمعرضه الثالث والأول في مجال النحت. اكتفى الفنان يومها بالقول إنّه ما زال يعمل على إتمام منحوتتين، كما اتّفق معها على السينوغرافيا التي تمناها للمعرض. صالة مفتوحة توزّع في مساحتها التماثيل، تكون محدودة بحائطين مطليين باللون الأحمر القرمزي، كما اختار مقطوعات لموزار وساتي. فقدت كتانة الاتصال بحلو منذ ذلك اللقاء، لتعرف لاحقاً أنّه توفي بعدما أنجز عمليه الأخيرين.
وتكريماً لذكراه، بادر الناقد والمؤرّخ الفنّي المعروف جوزيف طراب، إلى تنسيق المعرض مع «غاليري كتانة كونيغ»، ليجري افتتاح المعرض الأخير لروبير حلو بعنوان «كلاسيك» وعلى النحو الذي أراده. منذ دخولك صالة المعرض، تشعر بالزمن المتوقف. تجد نفسك بين 11 تمثالاً، تعود بك إلى عصر الباروك، كأنك ولجت قصراً أو كنيسة أو بالأحرى مقبرة فخمة. شعور بالبرودة والموت، يسيطر على المساحة. تحوم بين التماثيل النصفية، فيلفحك أولاً جمال أجسامها المزينة بالملائكة الصغيرة. أجساد بعضلات مفتولة، شامخة كآلهة أو محاربين، لكن ما إن تقترب منها، حتى يصفعك الألم الكامن فيها. ألمٌ تراه في منشار يغرز في أحد التماثيل، وسهم يخرق عنق آخر، وأسياخ حديدية تمتد في الأجساد المجفصنة.
بتر حلو أيدي شخصياته، ليعود ويعلقها مفصولة عن أجسادها. في تمثال «نشوة القديسة تيريزا»، يغرف الفنان من لاهوت كنسيّ يقدّس الألم المتّحد بالمسيح، ليترجمه بلغته الخاصة. تصير القديسة امرأة عارية في لحظة الألم، تحمل بيديها المقطعتين صليب المسيح. تلك النشوة مجسدة بالمنشار اليدوي الذي يجزّ جسد تيريزا، وبإكليل الورد على رأسها. لاهوت الألم يرافق جميع تماثيل حلو. ففي أحد التماثيل التي خصصها حلو لأطفال العراق، نرى ملائكة تحمل طفلاً، وفي آخر يضع قفصاً فارغاً مكان أحشاء طفل، لكنّه مزود بجناحين صغيرين ليطير فوق الألم.
فوق جميع هذه التماثيل، تطفو حلازين كأنّها تطفو فوق جسد الموت. حلازين خرجت من الأرض مستبشرة ببداية جديدة. منذ 2005بدأت مسيرة حلو مع الألم، وانتقاله من الرسم إلى النحت. قد يكون السبب أنّ الفنان غاص في جسده المتألم خلال أيامه الأخيرة، وأراد تفجيره في أجساد أخرى... أم أنه أراد تخليد ألمه في الجص، فيُحيي بذلك نشوةً مؤبدة؟



«كلاسيك»: حتى 3 كانون الأول (ديسمبر) ـــــ «غاليري كتانة كونيغ» (كليمنصو ــ بيروت). للاستعلام: 01/738706 ـــ
www.galerietanit.com