في نصوص باكورة الشاعر التونسي الشاب زياد عبد القادر «بهجة اليأس» (الغاوون)، يجد القارئ أكثر من صوت، لكنّ صوت الشاعر يغيب بينها: نسمع صوت سعدي يوسف، وصوت محمود درويش، وصوت بول شاوول، وأصوات أخرى لا نستطيع تمييزها يشير إليها عبد القادر سواء في الهامش أو في المتن. يهدي نصّه «أيتام الجنة» إلى يوسف، وقصيدة «في بياض ميموريال هيرمان» إلى درويش، كما يبدأ النص الأول من مجموعته الشعرية ببيت لبول شاوول. لماذا يسمع القارئ أصوات هؤلاء الشعراء ولا يرى ظلالهم؟ السبب بسيط: الشاعر يستخدم تقنياتهم ذاتها، يسترجع لغتهم وصورهم، بل حتى عالمهم بالكامل... رغم أنّه كان بإمكانه التخلّي عن كل ذلك، ويشق طريقه بعيداً عنهم، وخصوصاً أنّه يمتلك لغة قادرة على سبر أغوار بعيدة،

ومخيلة تطرق مسالك وآفاقاً مفتوحة... لكنّه يبقى مسحوراً بهذه الأجواء، ويرفض الخروج منها. «هو الآن بعيد ـــــ في المنفى ــــــ/ يستيقظ مبهور العينين من الضوء/ «كأنّي أسري» يقول ويمضي بجناحين/ فقيرين إلى حيث الضوء وينسى أن يطوي/ بساط المنفى. يتركه مرمياً تحت سفرجلة/ من عهد التكوين. سأعود إليه، حتماً سأطير إليه حتى لو طرت إلى أعلى عليين».
في هذا المقطع لا يحاول عبد القادر استعادة سعدي يوسف فحسب، بل يريد إن يتطابق معه أيضاً، لكن هل يمكن القدرة على محاكاة شاعر كبير أن تصنع شاعراً؟ وفي مثال آخر، «في بياض ميموريال هيرمان»، نقرأ: «خارج الطقس والأمكنة/ أفكر: من أنا في البياض؟/ هل أنا الطفل النقيض أم الكهل المريض بقلبه/ وإيقاع الكمنجات البعيدة/ كأنّي تدربت على هذا الوداع. أذكر أني مشيت/ خلف جنازتي وأنّ شخصاً ثالثاً كان يمشي/ خلفنا/ ذلك الشخص أنا! من أنا؟».
في المقابل، هناك نصوص للشاعر تدل على نفسها، يستعيد صوته فيها. في قصيدة بعنوان «الباب» يقول فيه عبد القادر: «أنا الباب/ كم مر تحتي الغزاة/ وكم مر تحتي المغول القساة/ وكم مرّ تحت أقواسي الأنبياء الحفاة/ وسب المجانين والخاسرين/ لكنّهم حين عادوا من الأمس ـــــ أمسهم ــــــ فاتحين قالوا نحن أيها الباب كيما نمر/ فنحن الغزاة لنا الأغنيات وصوت المؤرخ يروي/ أساطيرنا لنا المعجزات/ وأنت ما أنت من أنت وماذا تخبئ/ في ليلك الدائري غير الصدى ووقع خطانا». يحوي ديوان «بهجة اليأس» مقاطع جميلة كثيرة، يتبع فيها زياد عبد القادر نبرته الخاصّة.