القاهرة | يمكن وضع القرار الجماعي والمفاجِئ لمجلس نقابة الصحافيين المصريين، برفض مثول أي من أعضاء النقابة أمام القضاء العسكري، في سياق التغيرات اللامحدودة التي أنتجتها الثورة المصرية ولا تزال. أول من أمس، صرّح كارم محمود السكرتير العام لمجلس النقابة بأنّ الأخير قرر بإجماع أعضائه «عدم مثول أي من الصحافيين للتحقيق أمام النيابات العسكرية أو المحاكم العسكرية، التزاماً بحقهم الدستوري كمواطنين مصريين في المثول أمام قاضيهم الطبيعي».
أهمية قرار نقابة الصحافيين أنّه جاء في ذروة المواجهة بين المجلس العسكري، وعدد من النشطاء المحالين على المحاكم العسكرية. نشطاء هم للمفارقة ـــــ أو ربما ليست مصادفة ـــــ من أشد المعارضين لمحاكمة المدنيين عسكرياً، آخرهم هو المدون علاء عبد الفتاح، ابن العائلة الحقوقية المعروفة، وأحد أوائل المدونين المصريين. وكان هذا الأخير قد رفض الإجابة عن الأسئلة التي وجهتها إليه النيابة العسكرية على ذمة تحقيقات قضية «ماسبيرو» التي قُتل فيها عدد كبير من المتظاهرين الأقباط، وعدد غير معروف من العسكريين. رفض عبد الفتاح الرد على أسئلة النيابة العسكرية كموقف مبدئي، فأحيل على السجن على ذمة التحقيق، وجُدِّد حبسه قبل أيام.
إلا أن سجن المدون والناشط المعروف أطلق موجة من الإضرابات عن الطعام، بدأتها والدته الناشطة والأستاذة في جامعة القاهرة ليلى سويف، شقيقة الكاتبة المعروفة أهداف سويف. ثم انضم إلى الإضراب الناشر المصري محمد هاشم صاحب ومدير «دار ميريت» المعروفة بتقديم الأدب الطليعي. وبعد أيام، انضمّت إلى الإضراب بثينة كامل، المرشحة المحتملة لرئاسة الجمهورية، تلاها رامي يحيى، شاعر العامية المصري والناشط السياسي الذي تعرض للاعتقال مرات عدة.
وعلى الرغم من إعلان المجلس العسكري أكثر من مرة قراراً يقضي بوقف إحالة المدنيين على المحاكم العسكرية، إلا أن القانون المصري الطبيعي يتيح إحالة المدنيين على هذه المحاكم إذا كان أحد طرفي النزاع عسكرياً، كما هي الحال في قضية «ماسبيرو». تلك المادة القانونية التي وضعها المشير عبد الحكيم عامر عام 1966، لم تضع في اعتبارها أن العسكريين قد يصبحون في السلطة بصورة مباشرة، كما هي الحال الآن. وهو ما يحيل أي نزاع سياسي مع المجلس على حالة يجوز فيها الخضوع لمثل تلك المادة، التي يصفها الحقوقيون بعدم الدستورية، وبأنها تتعارض مع حق المواطن في العرض على قاضيه الطبيعي.
في هذه الأجواء، يزيد قرار نقابة الصحافيين الضغط على المجلس العسكري في هذا الموضوع، ويصعِّب أي قرار مستقبلي بإحالة أي صحافي ـــــ أو استدعائه ـــــ إلى النيابة العسكرية... قرار يدفع الصحافيين إلى التفاؤل باستقلالية أولى نقاباتهم بعد الثورة.