قدّمت ندى كنعو أخيراً عرضيها «العناق»، و«عنصر أرض»، على خشبة «مسرح المدينة» في بيروت. تعدُّ كعنو أحد الأسماء المعاصرة التي خاضت تحدي الرقص الكلاسيكي في العاصمة اللبنانية... لكن كيف نقرأ بحث كعنو في الشكل الفني المعاصر؟ للرقص الكلاسيكي منطق يستند إلى الجمالية التقنية، إذ يصبو إلى إبهار المشاهد بتقنيات الراقص، وقدرة جسده على تنفيذ الأصعب، ضمن منطق التوق الأزلي إلى الطيران. وهذا ما نراه واضحاً في توجه العرضين، رغم الضعف التقني في أداء الراقصين (باستثناء كيم بركة). تربط كعنو جمالية التقنية بالبحث الفني. تطرح في عرض élément terre، موضوع الهجرة والبحث عن الهوية. رغم أنّ الموضوع صار مستهلكاً، إلا أنّ كعنو استطاعت أن تضيف جمالية إلى الشكل دون المضمون. في المشهد الأول، تخلق كعنو ممراً للراقصين بين الحائط الخلفي للمسرح، وشاشة ضوئية ترتسم عليها خطوط ضوئية خضراء. داخل ذلك الممر، تجانست الكوريغرافيا، في التقاء الحركة وانفصالها، ما بين أجساد الراقصين والخيوط التي تربطهم بالكون.
في المشهد الثاني، يتّجه العرض إلى منطق الإبهار الاستعراضي، خارج نطاق رحلة الهوية والهجرة، لكن هل يكفي إدخال حقائب سفر، ومجسّم لكرة أرضية يتقاذفها الراقصون كالكرة، لطرح موضوع الهجرة؟ تستمرّ الكوريغرافيا في إضافة جمل حركيّة جديدة، تهدف إلى إبهار المشاهد، بعيداً عن استكشاف الجسد، وبحثه عن الهوية، في محيط جديد.
أما العرض الثاني «العناق» L'étreinte، فتعاونت كعنو في تصميمه مع المصمم الغرافيكي الإيراني رضا عابديني. يحوّل الأخير نصوص سبينوزا إلى مادة صورية، تمثل مساحة التقاء الراقصين، وترسم خطوط الفصل. يحافظ العرض على التوجّه ذاته في الإبهار المشهدي، مع ليونة أكبر في تطويع اللغة الكلاسيكية، ومزجها مع بعض تأثيرات الرقص المعاصر، لكنّ العرض يبقى أسير القوالب التقليدية، إذ ينطلق الراقصان من نيّة الالتقاء المنشود، لكن عبر تفاديه. يفترقان ويحتلّ كل منهما مساحة على المسرح. يتحديان بعضهما بعضاً تقنياً في كوريغرافيا موزعة بالتوالي على الاثنين، إلى أن يلتقيا في وسط الخشبة، ثم يرتفعا في الهواء، ويلتحما في جسد واحد. عملياً يبقى طرح ندى كعنو غير مقنع، وخصوصاً مع الضعف التقني في أداء معظم الراقصين. ويبقى الربط بين عصرنة الرقص الكلاسيكي، والبحث الفني بالطريقة المقدمة بحاجة إلى إنضاج.