دمشق | قليلة هي تجارب المسرح السوري مع نصوص صموئيل بيكيت (1906ـــ 1989). قد يكون هذا ما حفّز عدداً من متخرجي «المعهد العالي للفنون المسرحية» في دمشق، على المشاركة في ورشة عمل حول مسرح بيكيت، في آذار (مارس) الماضي، أقامها «المركز الثقافي البريطاني»، بالتعاون مع «مختبر دمشق المسرحي» بإدارة أسامة غنم. بعض المشاركين ذهبوا أبعد من حدود الورشة، لينجزوا بالتعاون مع مسرحيين محترفين عرضاً تحت عنوان «دراماتورجيا بيكيت»، هو عبارة عن مشهدين مسرحيين عرضا أخيراً على خشبة «دار الفنون» في دمشق القديمة.
ما يميّز التجربة أسلوب العمل الجماعي على تفاصيل وعناصر العرض، مع تغييب متعمّد لدور المخرج الفرد، والاستعاضة عنه بمفهوم الإخراج الجماعي. ربما هي حالة فرضتها المسرحيات القصيرة المختارة، وقد كتبها بيكيت في سنواته الأخيرة تحت عنوان مشترك «دراماتيكول». عمل مضر الحجي على دراماتورجيا مشهد «وقع الخطى» مع فاتنة ليلى ورنا كرم في التمثيل، فيما وضع السينوغرافيا وسام درويش. «النتيجة النهائية للمشهد، يتحمل مسؤوليتها فريق العمل على نحو جماعي. فكرة الاستغناء عن مخرج، جاءت نتيجة تلقائية لطبيعة الدراماتورجيا والقراءة الأولى للنص».
لا حكاية أو شخصيات أو أحداث واضحة هنا، بل حالة تكثيف وإلغاء للحدود الفاصلة بين جميع الأنواع والأجناس المسرحية والأدبية التي تميز أسلوب بيكيت عن غيره. عمل الكاتب الشهير على تحويل المونولوغ، إلى ما يمكن تسميته تقنية الصوت الداخلي. هذا ما نجده في «وقع الخطى» عندما تخاطب الأم المحتضرة ابنتها ماي بصوتها من دون أن تظهر على الخشبة.
في المشهد الآخر «ارتجالية أوهايو» الذي عمل عليه وائل قدور في الدراماتورجيا، ومحمد زرزور ومحمد ديبو في التمثيل، وزكريا الطيان في السينوغرافيا، يغيب الحوار المسرحي. لا حدث أو إشارة واضحة لمرور الزمن، إنما شحنة عالية من المشاعر الإنسانية المتناقضة. أولى مشاكل التعامل مع نصوص بيكيت، كانت الحصول على الترجمة الدقيقة لبعض المفردات، وفك شيفراتها وخفاياها. «من المعروف أن بيكيت كان يترجم ما يكتبه بنفسه، إلى لغات مختلفة، والتعامل مع هذه النصوص القصيرة والاستثنائية، تطلب منا بداية البحث عن جميع ترجمات النصوص، وكل ما كتب عنها للوصول إلى النص الأكمل»، يقول قدّور.
تحاول المجموعة اليوم تجاوز نقاط الخلل في تجربتها، استعداداً لتقديم العرض مطلع العام المقبل ضمن برنامج دار الأوبرا السورية.