دمشق | تكاد اللقاءات التلفزيونية التي تجمع معارضين وموالين سوريين تتحوّل إلى حلقات مكررة لمسلسل بدأ مع انطلاق الاحتجاجات الشعبية. وباتت النتيجة الحتمية لأي مقابلة بين هؤلاء شبه معروفة عند الجمهور: شتائم واتهامات يطلقها المعارضون والموالون بطريقة هستيرية. وما يزيد من كوميديّة المشهد أن المشاهد يتذكر جيداً تاريح قسم كبير ممن ركب موجة الثورة وأطلق على نفسه تسمية معارض، فيما يدعو الأسلوب الذي يتكلّم به بعض الموالين إلى التهكم، وخصوصاً أن بعضهم يدخل في انفعالات شديدة وموجات توتر تؤدي إلى تفوههم بكلام مبتذل. هكذا، تستغل بعض القنوات الإخبارية، على رأسها «الجزيرة» و«العربية»، هذه العدائية بين الطرفين،

لتقديم حلقات حوارية ومناظرات مباشرة عن طريق الأقمار الصناعية. وهي الحلقات التي غالباً ما يغيب عنها المنطق السليم، وتفتقر إلى ملامح ثقافة الحوار الصحي. هكذا تكون النتيجة عراكات حامية وشتائم لا تليق بأي محطة فضائية.
ويبدو أن الإعلامي السوري فيصل القاسم كان من أكثر المستفيدين إعلامياً من الأحداث السورية. وقد أسهمت هذه الأخيرة في إحياء موسم جديد من برنامجه الشهير «الاتجاه المعاكس»، إذ تحوّل استديو البرنامح في أكثر من حلقة إلى ما يشبه... حلبة المصارعة الحرة! مثلاً في إحدى الحلقات وبعدما حاول الباحث والإعلامي السوري عبد المسيح الشامي إقناع المشاهد بضرورة بقاء النظام وتفادي إسقاطه، سقط هو شخصياً على الأرض في ختام الحلقة. وبسرعة البرق، انتشر المقطع على مواقع التواصل الاجتماعي مذيّلاً بتعليقات ساخرة. وفي حلقة أخرى، صرخ بسام أبو عبد الله (أستاذ جامعي موالٍ) في وجه المعارض وائل الحافظ، الرافض للحوار مع السلطة، قائلاً له «لحذاء الرئيس لا تحاور»!
من جهته، يتنقّل الإعلامي شريف شحادة (محلل سياسي موالٍ) بسرعة غريبة بين المحطات الإخبارية ليرد على منتقدي النظام ويدافع عنه، لكن شحادة في رأي كثيرين كان أسوأ من دافع عن السلطة، إلى درجة أنه لم يسلم من سخرية الموالين أيضاً. ولم يجد أسلوباً ليرد فيه على استفزازات رضوان زيادة سوى بالطلب من محطة «بي بي سي» أن تستبدل زيادة بمعارض آخر مكتمل النمو، فيما رد الأخير متّهماً شحادة بالإجرام، وخصوصاً أن شقيقه رئيس فرع أمن في بانياس.
في مقابلة أخرى وهذه المرة على شاشة «العربية»، اتّهم بسام جعارة وهو صحافي معارض، شريف شحادة بأنه «شبّيح»، فما كان من الإعلامي السوري سوى تذكير جعارة بتاريخه يوم كان مقرباً من رئيس الوزراء السوري السابق محمود الزعبي، وصرخ في وجهه «أنت لص وأبوك لص وقد سرقت أموال السوريين أنت ومحمود الزعبي». هذا الكلام أدخل جعارة في موجة من الارتجاف إلى درجة ظن المشاهد معها أنه سيسقط بعدها مغشياً عليه.
يتصارع مؤيدو النظام ومعارضوه ويستعرضون قدراتهم في استفزاز الآخر ودفعه نحو فقدان السيطرة على نفسه، ليكرس ذلك فكرة الانقسام الحاد الذي يعانيه الشارع السوري، فيما تساعد تعليقات ضيوف المحطات الفضائية على إضحاك الجمهور الذي لا يتوقف عن ترديد الحكمة القائلة «شر البلية ما يضحك».