يمكن الحديث سينمائياً عن بداية خاصة ومشرقة مع «النهاية» أولى التجارب الروائية الطويلة للمغربي هشام العسري الذي يقدم مقترحات جمالية تقول الكثير، وينحاز للتجريب ومعاينة مساحات سينمائية جديدة. فيلم العسري يخبرنا ذلك منذ اللقطة الأولى. الشريط جاء بالأبيض والأسود، وما من موسيقى تصويرية. نحن أمام شارع مقلوب وسيارات تسير فيه مقلوبة أيضاً.
الكاميرا الذاتية تفتتح الفيلم. نرى كل شيء بعيني الشخصية الرئيسة. هو يقف على سقف سيارة شرطة ورأسه متدلّ منها. وحين نعود إلى المشاهدة بكاميرا موضوعية، يكون قد وصل مع موكب الشرطة إلى مكان مخصّص لإتلاف المخدرات، حيث سيصعد إلى سطح المكان الذي تتلف فيه ويبدأ باستنشاق ما ينبعث منها.
الكلمة المفتاح في الفيلم هي «السلطة» وعسفها بمختلف أنواعه. ستتحرك الشخصيات كما لو أنها مفردات بصرية، سنكون حيال الضابط العنيف وزوجته المقعدة، والعاشق، والعاشقة وأخوتها. العاشق يعمل في مراقبة مواقف السيارات مدفوعة الأجر، والضابط يتعقبه مع شيء من الوصاية عليه واستخدامه مخبراً، والمعشوقة مقيدة بالسلاسل التي لن تفارقها حتى نهاية الفيلم، وأخوتها يبدون كـ«غانغستر» خارجين من رحم «الكوميك» يقومون بالسرقة والسطو، ويقفون ضد العاشق، فيما السلاسل التي لا تفارق أختهم من صنيعهم.
المدينة مهجورة وافتراضية، لكنها لن تبقى كذلك مع نهاية الفيلم. سيكون الضابط المصدر الرئيس لكل السلطات، وسيظهر لديه الانتقام والعنف في أعتى تجلياته. وسيقوم بكل ذلك رغم أنه سيموت. إنه جثة، لكن بمقدورها أن تقتل وتنتقم من الأخوة الذين لا يسرقون إلا أتفه الأشياء، ولا سيما أنّ كل الأمكنة مهجورة ومتروكة لهم ليصنعوا فيها ما يريدون.
القيود كثيرة في الفيلم. والكل تحت رحمتها، ضحايا وجلادين. العاشق يضع قيداً على السيارات المتوقّفة، العاشقة وسلاسلها، زوجة الضابط المقعدة وقيد الكرسي، وصولاً إلى القتل على طريقة ترنتينو على يد الضابط الذي يفترض أنه جثة... لكن فجأة يقفز الفيلم إلى مستوى واقعي وتاريخي ومفصلي في تاريخ المغرب هو موت الملك الحسن الثاني. وهنا سيفتح الباب مجدداً أمام مستوى جديد، يضع كل ما شاهدناه في سياق متصل مع النهاية. سيأتي هذا الخبر الذي يحمله الراديو بعد جرعات دموية كبيرة يقدم عليها الضابط. سيتوقف كل شيء مع مظاهر عدم التصديق التي ستعمّ المدينة. وهنا يمكن العودة إلى كل ما شاهدناه من البداية مع هذه المفاجأة المتروكة لنهاية الفيلم.