حول نجوى كرمبكت نجوى كرم لمّا فاجأتها التلفزيونيّة (ام.تي.في) جمانة بو عيد بأن بلديّة زحلة قرّرت تسمية شارع باسمها. قالت: «سألتِني في بداية المقابلة ماذا أخذ منّي الفنّ. اسأليني شو عطاني».
اجتازت هذه المطربة طريقها بنجاح ومع هذا يبدو أنّها لم تُزْرَع في المكان المناسب. صوت قويّ جذّاب وشعبيّة في الطليعة، ومع هذا لم تأخذ فرصتها. حسْن يزيده العمر حسْناً وحيويّة تحاذي الإرهاق، وكأنّ كلّ ذلك مخنوقٌ في قميصٍ أضيق من قياسه!
تتمتّع نجوى كرم بين فنّانات جيلها وما بعده بميزةٍ نادرة هي «الفائض» عن الوجه. صوتها الساطع كان يمكن، لو قُيّض له مَن يشذّبه ويأسره في ضوابط القمع الخلّاقة، أن يتخفّف من استعراضاته لمصلحة دفءٍ داخلي وتوتّر خَفيّ يخترق الأفئدة أعمق ممّا يفعل «طَرْح الصوت» المباشر.
في هذه الزحلاويّة القبضاي حوريّة تذوب نعومة. أغانيها وفيّة لزحلاويّتها ولا تعبّر عن الحوريّة الذائبة نعومة. لا أعرف إذا كان أحد فكّر في استثمار هذه الفنّانة مسرحيّاً، سينمائيّاً. مؤكّد لا وصول إلى ذلك بغير ترويض الشرسة. ولمَ لا؟ أشدّ جموحاً منها أتاح لهم القَدَر مَنْ يتعهّدهم ويصهرهم ويعيد تكوينهم. هذا هو عمل المُخرج، المخرج المسرحي والسينمائي والمخرج التلحيني. الصوت، أيّاً يكن، عجينٌ يتكيّف مع الخبّاز.
لا انتقاص من ملحّني أغانيها ولا من شعرائها. وسام الأمير ونزار فرنسيس، على سبيل المثال. نضرب في الرمل ونزايد، لا أكثر. وهكذا نجد، مثلاً لا حصراً، أن الجَرْحة في صوت نجوى كرم عوضَ أن تعتصر القلب كثيراً ما تغور بين أنواء الصراخ. كان من المستحسن إيجاد تناغم بين الجبل والوادي، بين البحّة واللمعة.
وبين الجسد والوجه، وبين حلم الوجه وخطاب الحنجرة، وبين شرود النظرة وعصيان المزاج، وبين بحر الشَعر ومسافات الصوت.
هذه الفنّانة كيانٌ من الإيقاعات. اسمعها في أغنيتها «ما في نوم بعد اليوم»: توقيعات لاهبة. وتوقيعاتها في غنى عن الطبلة. أوركستراها في غنى عمّا يفرقع. وصوتها يحتاج أن يقيم أيضاً بينه وبين الأذن علاقة خالصة من أجواء تربيع الجرس وقَيْمة الجرن.
هناك أشخاص لو أعيد توزيعهم على غرار إعادة توزيع الألحان لتغيّرت أقدار. يجب أن تعطي نجوى كرم نفسها، بعد الهتاف، حقّ النجوى.

تلفزيونيّات
ـــ وجه زياد نجيم الصارم (في برنامج رابعة الزيّات على «الجديد») بين وجوه مبتهجة تُنكّت بحكاياتٍ عن الطفولة. كأنّه يتساءل ماذا جئتُ أفعل هنا. أنا ممّن تخيفهم صراحة زياد نجيم ويبحثون عنها لأنّها مخيفة. الفرق بينه وبين مبتهجي الشاشات هو الفرق بين الحقيقة والتلفزيون.
ـــ بين نبرةِ الضيوف في برنامج مارسيل غانم ونبرة الشخصيّات النقابيّة والاقتصاديّة: ضيوفٌ من جمهور الناس الذين يكتوون بجمر الغلاء ومحترفون متمكّنون من «ملفّاتهم». ناسٌ موجوعون كفروا بكلّ شيء وشخصيّات «مسؤولة» عاقلة مبتسمة هادئة. كيف لشخصٍ واحد بعد في بلادنا أن يكون مسؤولاً عاقلاً مبتسماً هادئاً؟
ـــ خالد، من حلبا، في برنامج منى أبو حمزة (ام.تي.في): «فان» مدرسي دهس ابنه (7 سنوات) وهو متوجّه صباحاً إلى مدرسته. سؤال أبو حمزة: «شو بتشتغل سيّد خالد؟»، خالد: «باطون... ماشي يعني... عتّال بدّك تقولي». بصفاءِ وجهٍ زادته المأساة صفاء. إذا كان أحدٌ يستحقّ لقب قدّيس فمثل هذا المصلوب المعتذِر والمستسلم لقضاء الله.
لطْف منى ومحاولتها رفع معنويّاته: العكّاري الفقير (600 إلى 700 دولار شهريّاً على ستة أولاد وزوجة) لا يريد شيئاً. لا يطلب ولا يشكو. نزل كالضمير على النفوس. قام وانصرف كما جاء: نسمة. لن يأكل أحد عنه حزنه.
ـــ في برنامج غادة عيد على «الجديد» وزير الشؤون الاجتماعيّة وائل أبو فاعور: «الدراسات التي وُضعت للوزارة عن الفقر ممكن أن تطعم الفقراء على عشر سنين».
تعصف باليونان أزمة اقتصاديّة هائلة تهزّ أركان الاتحاد الأوروبي. أحدهم اقترح أن يتبرّع بضعة مليارديريّة من أصحاب ناقلات النفط اليونانيّين ببضعةٍ من ملياراتهم تفادياً للانهيار. في اليونان لن تكفي بضعة ولا عشرات المليارات. الوضع أسوأ. في لبنان بضعة مليارات كانت كافية قبل عشرة أعوام. لم تعد كافية. مليارديريّة لبنان، وهم أفحش ثراءً من مليارديريّة اليونان، يوزّعون نصائح في الأخلاق والوطنيّة.
حتّى الآن التهى أثرياؤنا (ؤنا!؟) بإفساد الإدارة والمجتمع السياسي والإعلامي. اغتنوا بالفساد وتزعّموا بالإفساد. لم يتطوّع أحد للإنقاذ.
ولن يتطوّع.

نساء ورجال
عرفتُ رجالاً حَصّنَتهم أنانيتهم ضد الأخطار وأمدّت النرجسيّة في أعمارهم. عرفتُ نساءً أنانيّات ولم أعرف واحدةً منهنّ إلّا صبّت فوائدها من أنانيّتها في نهر سواها...
حتّى الأديبات والفنّانات، ومعظمهنّ قد يغلب الجانب الذكري في شخصياتهنّ، قلّما تمكَّنَّ من القسوة الأنانيّة حتّى الصلابة الفولاذيّة القصوى. كان دوماً ثمّة ثُغَر يتسلّل منها الانتهازيّون.
الرجل، عموماً، أقدر على عبادة ذاته من المرأة لأنّه بين الاثنين هو الأضعف.

... ولا يُطال
الأفضل فنيّاً، موسيقى ديناميكيّة مذهلة الرشاقة فراشيّة الوزن حتّى لتوهِم أنّها لَغْوٌ، طيشُ سكْر، تَرْشَقَة، تستمدّ سحرها من زخمها وزخمها من اندفاع مدوّخ إلى الأمامات دوماً،
أم موسيقى تفرد أمام سمعك التحليق كما تبسط سجاجيد التأمّل، البطء، التعمُّق، الثِقَل؟
السؤال لا تعنيه فكرة التوازن بين النوعين في تأليفات موسيقار واحد. النوع الأوّل يحتقر هذا الصنف من التوازن «المفروض»، والثاني عاجز، حتّى لو أراد، عن الخفّة الأثيريّة.
موزار طبعاً هو النوع الأوّل، مع المبالغة في الإغضاء عن الثِقَل عنده، على أّنه ثِقَل مرتعش، كجمود الجواد العربي على قائمتيه وكأنه نسر مُكْرهٌ على التوقّف والتحليق معاً. الثاني، لا أعرف. يبدو أهله ملزمين بقسطٍ «أكاديمي»، سهم من البلادة هنا والوقت الميت هناك.
أستحضرْ صورة حسناء «طائرة» ضحكاً، إغراءً راقصاً، حسناء من مُجون وتلألؤ، طيشٍ وتصويب، ملاكٍ وثعلب.
ما يستخفّكَ ويراودكَ بكامل نَفْسه، ولا يُطال.
ولأنّه،
لأنّه يُشْرق ويسطع ويضحك وهو يمدّ لكَ الوجه والصدر واليدين... ولا يُطال...



عابرات

ليس حديداً ما يجذبه المغناطيس بل صدىً.

■ ■ ■

لا تتكبّر على نصائح الوهم ولا تصدّق إلّا ما تراه مغطّى.
ولا تستثنِ العينين...

■ ■ ■

ما أحلى «يُهَدْهَدُ إليَّ كذا» بَدَل المُنْهَكَة «يُخيَّلُ إليّ»!

■ ■ ■

العاشقُ الواثقُ من تجاوب معشوقه ليس مغرماً. المُغْرَم لا ينسب إلى نفسه إلّا النواقص وإلى محبوبه إلّا استحالة تجاوبه وإيّاه.

■ ■ ■

رحماكَ سيدي، هل تتكرّم عليّ وتضع قناعك!؟

■ ■ ■

وما أدرى الواحد بدوافعه؟ لماذا يَظْلم، يَقْتُل، يَعبد، ينهبل؟ لماذا يجبن، يكسر، يخسر، يؤمن؟ لماذا هو؟
وما أدراه!...
حتّى لو استطاع أن يسأل أحشاء أمّه، وما أدراها!؟