«الموسيقى غذاء الروح»، قد يوافق أي شخص على هذه الجملة، إلا هؤلاء الذين يحرّمون الموسيقى ويعتبرونها أداة من أدوات الشيطان، وسبباً في مزيد من الذنوب، وباباً للنار الموقدة.
لكن من قال إن الموسيقى حرام؟ الإجابة كُثر، لكن أكثرهم يعيش في السعودية، تلك التي لا تحرم الموسيقى فقط، بل أيضاً الغناء والشعر، فما هو موقفها إن أهداها موسيقار وصلة موسيقية، فهل ستقبل هديته؟
قبل ليلتين، وقف الموسيقار عمر خيرت على مسرح «جامعة القاهرة»، ليعلن أنه يهدي وصلة موسيقية للمملكة، تقديراً منه لما فعلته مع مصر! هكذا نقلت مواقع الأخبار، إلا أن صدمة الإعلان جعلت الخبر مصدر شك. الكل يريد أن يتأكد من المعلومة. فهل يمكن أن يفعلها موسيقار بحجم عمر خيرت؟ ثم هل هذه هدية ستعجب السعودية وملكها؟
موقف السعودية من الموسيقى بشكل عام أنها حرام، وهذا هو الرأي الرسمي؛ فمثلاً لا يستطيع مواطن سعودي أن يحمل آلة موسيقية ويسير بها في شوارع المملكة. هو بذلك «ينشر الرذيلة ويخالف الشريعة». ويبدو أنّ هناك إصراراً على ذلك. فالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء (تشبه دار الإفتاء في مصر) في السعودية أصدرت بياناً طويلاً عام 2004 للرد على كاتب مقال، لم يقل شيئاً سوى أنه مع إباحة الغناء، وذكر أسماء عدد من المغنين السعوديين. جاء بيان الرئاسة مؤكداً على الموقف من حرمة الغناء والموسيقى، ومشدداً على أن «كل صوت من أصوات الملاهي فهو داخل في ذلك كالمزمار والربابة والعود والكمان وما أشبه ذلك، وهذا كله يصدّ عن سبيل الله، ويسبب الضلال والإضلال». وطبعاً طالب بيان رئاسة الإفتاء الكاتب بأن يتوب إلى الله مما كتب، «ولا يقول على الله وعلى رسوله بغير علم، فإن القول على الله بغير علم قرين الشرك في كتاب الله».
حالة نفاق عام أصابت إعلاميين ومثقفين وفنانين

ليس هذا البيان فقط هو الدليل على حرمة الغناء في المملكة. يشهد موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء على عدد من الفتاوى التي تحرّم الغناء، بل ترى أنّه حتى الضرب بالدف هو للنساء في الأفراح فقط. ففي نص طلب فتوى حمل رقم (5782) على موقع الرئاسة، يسأل طالب الفتوى «ما حكم الشعر في الإسلام، وهل الغناء مع ذكر الله في الغناء مع ضرب الدفوف كما يفعل في وطننا جائز؟ وما هي الأشعار المباحة والمحرمة؟». كانت الإجابة على الفتوى واضحة «إذا اشتمل الشعر على كذب أو شرك، أو لهو، أو مجون، أو إغراء بشر ونحو ذلك، فهو ممنوع، وإذا اشتمل على دعوة إلى الخير وعلى حِكَم شرعية، ونصر للحق ونحو ذلك، فهو مشروع، وبالجملة فحكمه حكم ما اشتمل عليه، لكن استعمال الدف إنما يجوز للنساء في الأعراس؛ لإعلان النكاح، وهكذا في أيام العيد للنساء خاصة».
ويتجاوز الأمر مجرد رأي فقهي يوضع في الكتب. منذ مدة، ألغت جامعة سعودية خاصة احتفالاً لطالباتها قبل انتهاء فقراته، بعد ضغط من مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية، بعدما نشر الحساب الخاص للجامعة مقاطع فيديو يظهر فيها مطرب يغني وفتيات يعزفن بجانبه.
هل هذا يحدث مع الشباب فقط؟ الإجابة لا. هذا يحدث مع الجميع، حتى الأطفال. فهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أوقفت في 2009 احتفالاً غنائياً للأطفال كانت ستحييه فرقة «طيور الجنة» في أحد الأسواق الكبرى في المدينة المنورة. وقال وقتها المتحدث الرسمي للهيئة في منطقة المدينة المنورة إن السبب هو تشغيل الموسيقى أثناء الإنشاد والاختلاط.
لا يمكن فهم ما قاله عمر خيرت عن السعودية في هذه الحفلة إلا في إطار حالة النفاق العام التي أصابت إعلاميين ومثقفين وفنانين، يرون ما يراه الرئيس، ويسمعون فقط ما يقوله الرئيس، ولا توجد لديهم أي رغبة في مخالفته، ولو في قضية مثل التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير. ما قاله عمر خيرت ليس ببعيد عن الصحافي والإعلامي أحمد موسى، الذي خرج على شاشة برنامجه معلناً مكافأة مالية لمن يدلي بمعلومات تثبت مصرية الجزيرتين. كذلك يأتي ذلك في إطار ما قاله رئيس تحرير جريدة «الأهرام» القومية لوزير خارجية السعودية «أنا شخصياً أملك أوراقاً تثبت ملكية السعودية للجزيرتين».