أبو ظبي | بين مسابقات «مهرجان أبو ظبي السينمائي» الكثيرة وجوائزه الأكثر، تتزاحم الأفلام والأسماء في دورته الخامسة التي تُختتم في 22 ت1 (أكتوبر) بعد احتفالها بمئوية نجيب محفوظ وبمرور 150 عاماً على ولادة طاغور، وعرض أكثر من 179 فيلماً من 42 دولة، من بينها 25 في عرض أول. المخرج السوري نبيل المالح يرأس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، بينما يرأس لجنة «آفاق جديدة» الإيراني بهمن قبادي، ولجنة تحكيم الوثائقي المصرية تهاني راشد.
افتتاح المهرجان مساء الخميس كان مع فيلم «السيد لزهر» للكندي فيليب فالاردو. هنا، نشاهد بشير لزهر الذي سيكون بشير أمل لأولاد أقدمت معلمتهم على شنق نفسها في الصف. نمضي برفقة أولئك الأولاد وتعايشهم مع تلك المأساة، واتكائهم على مدرّسهم الجديد الذي ليس مدرساً في الأساس، بل مجرد طالب لجوء إلى كندا وهارب من ماضيه المحترق في الجزائر. لا يمضي «السيد لزهر» إلى أي نوع من المبالغات، ولا يخلط بين مأساة بطله الخاصة وما يعيشه الطلاب، وكلاهما تراجيديان. والسؤال الأكبر يبقى: لماذا انتحرت المعلّمة في الصف؟ وما هي الرسالة التي أرادت إيصالها؟ أسئلة لا تتردد مباشرة في الفيلم، إلا عندما يدين السيد لزهر فعلها، أو حين نسترجع قصتها مع ذلك التلميذ الذي اشتكاها لأنها قبّلته. لكنّ التركيز سيكون على شعور التلميذ بالذنب، ولعلّه الحب الملتبس أيضاً. بينما سيكون السيد لزهر (الجزائري محمد فلاق في أداء آسر) غير معني بمأساته الشخصية في حضور طلابه. سيرفض أن يحدثهم عن الجزائر، وسيبني علاقته معهم سريعاً: مقاعد مرتبة في الصفّ، وتدريس بلزاك لطلابه الذين يجدونه صعباً. لكنهم سيقبلون ذلك كرمى للمعلم الذي يتمتع بـ«كاريزما» تجعله الأستاذ المثالي الذي يمتزج به الحنان بالحزم.
فيلم الافتتاح على اتصال بما يليه من أفلام تضعنا أمام ورطة كبيرة؛ إذ نحار في كيفيّة الاختيار بينها. هذه الورطة الجميلة تمتد لتشمل جميع المسابقات، بما يجعل برنامج الدورة مدججاً بأهم الأعمال، مع انحياز مسابقة الأفلام الروائية الطويلة إلى الأسماء المكرّسة. نتحدث هنا عن ديفيد كروننبيرغ (وسيلة خطرة)، وتود سولندز (الحصان الأسود)، ولين رامسي (يجب أن نتحدّث عن كيفن)، ومرجان سترابي (دجاج بالخوخ)، وأصغر فرهادي (انفصال نادر وسيمين)، وإسماعيل فروخي (رجال أحرار)، ورضا الباهي (ديما براندو)... وهذا الأمر ينطبق على «آفاق جديدة» المخصصة للمخرجين في عملهم الأول أو الثاني. تحت رايتها يحضر عربياً المغربي محمد العسلي، والمصري عمرو سلامة، والإماراتي نواف الجناحي، إلى جانب «دموع الرمل» للإسباني بيدرو روسادو، و«المكان الضيق» للبناني سوني قدوح في تجربته الروائية الطويلة الأولى.
محمد العسلي الذي يعود إلى أبو ظبي بعد فيلمه الشهير «الملائكة لا تحلق فوق الدار البيضاء»، كان جمهور المهرجان يترقّب بقوة جديده «أياد خشنة». السينمائي المغربي يروي قصّة مصطفى، الحلاق في الدار البيضاء، وجارته المدرّسة التي تسعى إلى تخشين يديها للحصول على فيزا إلى إسبانيا، لكون الفيزا لا تمنح إلا للفلاحات ليقطفن الزيتون في الضفة الأخرى. يأخذنا «أياد خشنة» نحو مساحات العيش التي يجترحها الإنسان المغربي والعربي عموماً، في ظل فساد يتواطأ معه الجميع. يكون مصطفى حبل النجاة لكثر حوله، لكونه على اتصال بطبقة الوزراء والمتنفذين، مقدماً خدماته لقاء مبالغ يعتاش منها.
هذا الرصد الاجتماعي المبني وفق جماليات واقعية، يقابله شريط مغربي آخر لفوزي بن سعيدي بعنوان «موت للبيع». يتّخذ الفيلم من تطوان مساحة لرصد حياة ثلاثة شبان يعيشون حياة ممزقة بين البطالة والمخدرات والضياع. وعلى هدى المصائر التي يصلون إليها، سنكون أمام حضور للخيانة والغدر، في ظل حياة قاسية لا تغيب عنها أدوات التسلط التي يمثلها ضابط الشرطة. لكنّ المخرج يسعى إلى تقديم كل ذلك، ضمن مستويات متفاوتة ومتضاربة بين الرمزي والتشويقي، ما يجعل المشاهد يفقد الخيط أحياناً، فتضيع التوليفة الرئيسية التي شُيّدَ عليها الشريط.
وثائقياً، يمكن الحديث عن «التحرير 2011: الطيب والشرس والسياسي» الذي يبدو كل شيء معدّاً بصورة مسبقة لاستقباله، حتى لو أنّه لا يخرج عن حيز الأرشيف الوثائقي للثورة المصرية. الشريط كناية عن ثلاثة أفلام: الأول «الطيب» لتامر عزت يروي أحداث الثورة المصرية منذ بدايتها. ينوّع العمل في الشهادات بين فتاة ثرية، وآخر إخواني، وثالث مصوّر عاد من السويد ليصوّر الثورة. بينما يأتي «الشرس» لآيتن أمين من الضفة الأخرى، أي ضباط الشرطة والأمن المركزي، ليكون مقاربة جديدة للثورة تضيء على مشاعر من كان في مواجهة الثوار. أما «السياسي» لعمرو سلامة، فيصوّر شخصية حسني مبارك في سياق تهكمي، ضمن عشرة فصول تتضمنها شهادات من كانوا حوله، أو من كانوا يرصدونه مثل علاء الأسواني ومحمد البرادعي.
www.abudhabifilmfestival.ae




أورين موفرمان

يعرّف «مهرجان أبو ظبي» أورين موفرمان (1966) بأنّه مقيم في نيويورك، عمل في الصحافة قبل أن يتوجّه إلى الإخراج. ويشير إلى أنّ فيلمه «الرسول» عرض في المهرجان عام 2009. هذه المرّة يشارك في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، بشريطه Rampart الذي يتناول قضية فساد هزّت شرطة نيويورك في التسعينيات. لكنّ المهرجان «أغفل» تفصيلاً مهمّاً: أورين موفرمان إسرائيلي. صحيح أنّ فيلميه المذكورين لا يتناولان الصراع العربي الإسرائيلي، لكنّ اخفاء هويّة مشارك إسرائيلي في مهرجان عربي، مبادرة تفتقر إلى الأمانة، هدفها تفادي أي نقاش في مطبّات التطبيع الثقافي. علماً بأن الفيلم المشارك في «أبو ظبي» لا تموّله مؤسسة إسرائيلية، ولا يحمل خطاباً ترويجيّاً للكيان الصهيوني، ولا نعرف عن صاحبه ـــــ في المقابل ـــــ أي موقف نقدي من دولته، أو أي تضامن مع قضيّة فلسطين، المقدّسة ـــ حتّى إشعار آخر ــــ لدى الشعب الذي يستضيفه.
(التحرير)