القاهرة | زاوية من أسفل لوجه ملتح مخيف، يمسك صاحبه بسكينين كبيرتين يمرّر إحداهما على الأخرى بصوت مرعب. يتكلم الوجه، فإذا به يلقي بتحية الإسلام على مشاهدي برنامج «طبق اليوم»، ويقدم لهما وصفة عمل «صينية بطاطس بالليبراليين».
جزء من مشهد خفيف الظل، مما يمكن وصفه ـــــ مع بعض التجاوز ـــ فيلماً روائياً قصيراً. شريط «أين محلي؟» الذي أنتجته «حركة سلفيّو كوستا»، لا تزيد مدته على 12 دقيقة، لكنّ عدد مشاهديه على موقع يوتيوب تخطى مئة وعشرين ألفاً في أقل من ثلاثة أيام على الرغم من أنّ «الفيلم» لم تتجاوز كلفته 148 جنيهاً مصرياً، كما يقول صنّاع العمل في مقدمته بأسلوب ساخر. ويقدم الجنريك أسماء الممولين: «السعودية، والموساد، وفريدوم هاوس في أميركا، وسفارة ماسونيا العليا في بحيرة البجع».
بعيداً عن الأسماء الخياليّة التي تسخر من موضة الاتهامات بالتمويل الأجنبي في مصر هذه الأيام، لا يبدو أن العمل كلّف بالفعل أكثر من هذا المبلغ الزهيد. من الواضح أنّ الكاميرا عادية، والتصوير تم أمام وداخل محل/ حانوت فارغ في منطقة عشوائية هي «عزبة الهجانة» في القاهرة. أما الممثلون فهم أنفسهم المنتجون، أعضاء المجموعة السلفية «سلفيو كوستا» الذين يقدمون أنفسهم بعبارة «احنا دايماً اللي بنحاسب على المشاريب». وهو شعار رفعوه في تظاهرات ميدان التحرير، في إِشارة إلى تحميل التيار السلفي معظم مصائب المجتمع، من قبل الإعلام والحكومة والمعارضة معاً كما يقولون. أما «كوستا»، فهو ليس إلا المقهى الشهير الذي كان مقرّ لقاء شلة الأصدقاء التي أنشأت المجموعة.
تسعى المجموعة المشار إليها إلى طرح صورة مغايرة للتيار السلفي. مواطنون ينتمون إلى طبقة وسطى اجتماعياً، ووسطية فكرياً، لا تنغلق على نفسها ولا تكره الآخر. مارست المجموعة أنشطات رياضية وثقافية عدة تجمع بين سلفيين وأقباط. كذلك شاركت في اعتصامات التحرير التي قاطعها معظم التيار السلفي. وقبل أشهر، قدمت محاولة فنية أولى بعنوان «أين ودني؟» جذبت الاهتمام إلى أفرادها، لكنها لم تكن فيلماً بالمعنى الفني، بل أقرب إلى اسكتش حواري.
التجربة الجديدة «أين محلي؟» تحمل تقدماً فنياً عن سابقتها، وإن ظلت الرسالة سياسية في الدرجة الأولى: مجموعة أشخاص فقدوا محلهم التجاري لسنوات طويلة (أخذه منهم رجل وابنه)، ثم حصلوا أخيراً على حكم قضائي بتسلّمه. كل منهم يملك نسخة من الحكم القضائي، ويظن أن المحل من حقه وحده، يتنافسون عبر نماذج هي الليبرالي «الذي أقام الدعوى يوم خمسة وعشرين» (إشارة إلى يوم اشتعال ثورة النيل)، الإخواني «أقام الدعوى يوم 30»، والمسيحي (قدم الدور هاني أنطونيوس وهو بالطبع ليس من «سلفيّي» كوستا)، والسلفي الذي جاء متأخراً لكنه تحالف مع الإخواني فوراً، ثم المواطن العادي الذي يخشى أن تؤدي الأحداث إلى نتيجة عكسية، فيخسر سيارته بدلاً من أن يكسب المحل. لكن بعد أن يفتح الجميع البوابة، يكتشفون أنّ الرجل وابنه قد حوّلا المحل إلى «خرابة». عليهم إذاً أن يتعاونوا لإصلاحها، لكن الهواجس تطاردهم، وكذلك الشكوك في نوايا بعضهم تجاه البعض الآخر، فضلاً عن كوابيس منها «صينية البطاطس بالليبراليين»، و«بوليس الكتب الدينية»!
لا سيدات في الفيلم (هل نضيف: بالطبع؟)، ولا موسيقى سوى أغنية سيد درويش «أهو ده اللي صار» بصوت وليد مصطفى. أما الأداء، فمحكوم بقدرات الهواة، ربما باستثناء عزت أمين الذي يجسّد شخصية الليبرالي، وهو مخرج الفيلم ومؤلفه... على الأرجح لأنّه ممثل صاعد منذ ما قبل الثورة، وقبل ظهور «سلفيّو كوستا».





كلّنا شركاء


يقول محمد طلبة، مؤسس «سلفيّو كوستا»، إنّ الفيلم يدعو جميع القوى السياسية إلى التوحد خلال الفترة الانتقالية التي تشهدها مصر، فـ«كلنا شركاء في الوطن وكل فرد له حق العيش فيه».
وكانت المجموعة قد تحوّلت إلى حركة سياسية ذات خطاب وسطي متسامح، وبدأت في استخدام الأفلام القصيرة بهدف إيصال رسالتها عبر الإنترنت كطريقة جديدة للوصول إلى الشباب المصري.