باريس | تجدّدت الهجمات على تلفزيون «نسمة» التونسي على خلفية الجدل الذي أثاره عرض فيلم التحريك «برسيبوليس» (2007) للمخرجين الفرنسي فنسان بارونو والإيرانية مرجان ساترابي («الأخبار» 11/ 10/ 2011). وانتشرت بعد صلاة يوم الجمعة الماضي تظاهرات إسلامية في مدن تونسية عدة طالبت السلطات بإغلاق القناة. ثمّ اقتحم متشدّدون سلفيون بيت مديرها العام نبيل القروي وحاولوا إحراقه.
وجاء هذا التصعيد رغم أن القروي قدّم اعتذاراً رسمياً عن المشهد الذي أثار نقمة الإسلاميين في الفيلم الشهير ورآه المتشدّدون «مسيئاً للذات الإلهية». لكن يبدو أن الاعتذار لم يكن كافياً لامتصاص نقمة الأصوليين، إذ إنّ «المعتدلين» منهم من أنصار حركة «النهضة» واصلوا حملتهم المنادية بمقاطعة «نسمة»، من خلال ملصقات تحمل شعار «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحذف قناة «نقمة» من جهازه». وخرجت بعد صلاة الجمعة الماضي تظاهرات «سلمية» في مدن تونسية عدة طالب فيها أنصار «النهضة» بـ«الإغلاق الكامل والنهائي لقناة الماسونيين»! وفي تونس العاصمة، احتشد قرابة الألف متظاهر لمطالبة الحكومة بـ«تحمل مسؤولياتها وأداء واجبها في الدفاع عن المقدسات الدينية».
وفي تطور غير مسبوق منذ قيام ثورة الكرامة، رفع المتظاهرون الإسلاميون شعارات تعارض الطابع العلماني للدولة. ولم يكن خافياً على أحد أن هذا التحوّل جاء قبل أسبوع من موعد انتخابات المجلس التأسيسي (23 تشرين الأول/ أكتوبر) الذي سيتولى سن دستور جديد للبلاد. مما رآه المراقبون تحوّلاً جذرياً في مواقف حركة «النهضة»، بعدما سعت منذ اندلاع الثورة إلى طمأنة الرأي العام التونسي... لكن الموقف تغيّر مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي، فبرزت تيارات أكثر تشدداً في صفوف الحركة نفسها تجاهر برفض الطابع العلماني للدولة.
هذه الازدواجية في خطاب الإسلاميين هي ما سعت «نسمة» إلى التحذير منه من خلال عرض Persepolis. إذ تلى بثّ الفيلم نقاش حول «العلمانية والمواطنة» انطلاقاً من أحداث الشريط الشهير. وتطرّق النقاش إلى التجربة الإيرانية التي لم يدم فيها الربيع طويلاً بعد الثورة. لكن الإسلاميين يتّهمون بدورهم قناة «نسمة» والمعارضة العلمانية بازدواجية الخطاب، من خلال تعمّد استفزازهم لإثارة ردود فعل عنيفة، بغية استغلالها لاحقاً لتشويه صورة الإسلاميين. ويرى الأمين العام لحركة «النهضة» حمادي الجبالي أن خيار تلفزيون «نسمة» بث الشريط قبل أسبوع من الاستحقاق الانتخابي «خطوة غير بريئة». بموازاة التظاهرات السلمية التي نظمها الإسلاميون، برزت على شبكات التواصل الاجتماعي صفحات عدة تنادي بـ«الانتقام للمقدسات الدينية». ما أدى إلى مهاجمة مقر التلفزيون ومحاولة إحراقه مطلع الأسبوع الماضي. ثم شهدت هذه الحملة تصعيداً جديداً، فانتشرت صور وعناوين أبرز كوادر القناة وصحافييها بهدف «الاقتصاص منهم».
ولم تتأخر ردود فعل التيارات السلفية. حاصر قرابة مئة متشدد بيت نبيل القروي، في ضاحية المرسى شمال العاصمة تونس، ليلة الجمعة الماضي، وقاموا برشقه بقذائف المولوتوف في محاولة لإضرام النيران فيه. وقال شهود عيان إن القروي لم يكن في بيته عندما وقع الاعتداء، لكن زوجته وابنته كانتا موجودتين، وتمكنتا من الهروب من باب خلفي. وجاء في بيان أصدره صحافيو «نسمة» أن «خادمة كانت في بيت نبيل القروي تعرضت للتعنيف ومحاولات اغتصاب».