لم يخطر لأحد قبلاً أن يُدرج آلات عربية في المتتالية السمفونية الشهيرة «شهرزاد» للمؤلّف الروسي نيكولاي ريمسكي - كورساكوف؛ فهذا العمل يحمل نفَساً شرقياً جليّاً. قد يبدو غريباً ومثيراً ما ستؤدّيه الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية غداً في «كنيسة القديس يوسف» (مونو) بقيادة هاروت فازليان. تقديم رائعة كورسكوف بتوزيع جديد، لا يخلو من جرأة ورهان. على البرنامج أيضاً السمفونية الأولى لبيتهوفن (دو ماجور) التي تتيح مناخاً مختلفاً، وتترك مجالاً لتوظيف التناقضات في حفلة واحدة. «شهرزاد» في نسختها الجديدة (توزيع هاروت فازليان)، تمثّل سابقة وتفتح باباً لمقاربة وإعادة توزيع أعمال من الريبرتوار العالمي على نحو مختلف، شرط أن يستند ذلك إلى مسوّغات موسيقية.
عثر «المايسترو» على ما يبرّر إدخال العود والقانون والناي والإيقاعات الشرقية في عمل سمفوني نجح مؤلِّفه ريمسكي - كورساكوف في المزاوجة فيه بين الرومنطيقية و«المدرسة الوطنية» (بالمعنى الواسع للكلمة)، علماً أنّها تفترض نكهة إيكزوتيكية و/ أو خصائص نغمية «وطنية» (محلّية وقومية...) و/ أو «ألواناً» فولكلورية. الدمج الذي قام به فازليان ليس مفتعلاً إذاً، بل يأتي في سياق موسيقي يفتح الطريق أمام تجارب مشابهة.
أهمّية هذه الخطوة تكمن في إلباس «شهرزاد»، التي تتألّف من أربع حركات، ثوباً عربياً، وفي ردم الهوّة بين الموسيقى «الكلاسيكية» (وبالتالي حفلات الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية) والجمهور العريض. قد يفاجئك الإفراط في اللجوء إلى الزخارف الشرقية على الناي (جوزف كرم) في الحركة الأولى، قبل أن تكتشف أنّك أمام كتابة موسيقية مغايرة تقوم على توظيف التنميقات النغمية في العزف. يؤدّي العود (حسين الخليل) دوراً محورياً في تظليل «شهرزاد»، وبلورة هويّتها الجديدة، والتسلّل أحياناً إلى مناطق لحنية غير مأهولة، فيما تبدو الكتابة للقانون (كارين هوفهانيسيان) أكثر تفنُّناً ودينامية مع استخدام تقنيات أسلوبية تقترب من مناخات آلة الهارْب، من دون إغفال خصوصية القانون. أمّا الرقّ (علي الخطيب) والكاتم (وليد ناصر)، فيسبغان على العمل لمسة شعبية، ويجعلانه أكثر قرباً من نبض الشرق. إلى جانب الآلات المذكورة آنفاً، يبرز الحوار بين كمانَيْ ميشال خير الله وأنطوان خليفة. فازليان الذي استغنى عن آلات النفخ النحاسية والخشبية والإيقاعات الغربية، مكتفياً بعائلة الوتريات، يولي هامشاً صغيراً للتقاسيم المرتجلة، مانحاً العمل زخماً عربياً، وشيئاً من التلقائية المدروسة.



الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية: 8:30 من مساء الغد ـــ «كنيسة القديس يوسف» (مونو/ بيروت). للاستعلام: 01/500996