طرابلس الغرب | كلنا يتذكّر صورته يصول ويجول في شوارع بنغازي في آذار (مارس) الماضي. وكلنا أيضاً يتذكّر جملته الشهيرة، معلّقاً على الشعارات المناهضة لإسرائيل خلال التظاهرات في ليبيا: «إنه إرث القذافي»! إنّه الفيلسوف الفرنسي، الصهيوني الهوى برنار هنري ليفي (1948) الذي تجده دوماً في قلب الأحداث الساخنة من حرب البنغال والبوسنة، إلى ميدان التحرير في القاهرة، وطبعاً في ثورة ليبيا، التي شارك فيها بكثافة منسِّقاً بين الثوّار والحكومة الفرنسية.لكن ما أسباب هذه الحماسة الغريبة لثورة ليبيا؟ هل تصرّفه هذا ناجم عن موقف ثوري أصيل تحتمه رسالة الأدب والفلسفة، أم أنّه موقف سياسي وإعلامي يجيّره مكسباً كبيراً له ولبلاده؟ سؤال طرحناه على مجموعة من المثقفين العرب ممن لديهم ارتباط بالثقافة الفرنسية. الروائي الليبي المعروف صالح السنوسي، يقول: «اكتشفت برنار هنري ليفي في الثمانينيات، عندما كنت أدرس في باريس، وكان ضمن من يسمّونهم الفلاسفة الجدد les nouveaux philosophes. وهو في الحقيقة تهمّه السياسة والإعلام أكثر من الفلسفة. ويعد من أكبر المدافعين عن إسرائيل، منطلقاً من عقدة اضطهاد اليهود والمحرقة، ومعتبراً أنّها الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وهو يؤيد إنشاء دولة فلسطينية على الطريقة الإسرائيلية».
ويضيف صاحب «سيرة آخر بني هلال»: «دعمه للثورات العربية نابع من كونه رجلاً مغرماً بالإعلام والشهرة والظهور، علماً أنّه صديق للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي يبحث بدوره عن مكان له ولفرنسا في أكبر حدث تاريخي في القرن الحادي والعشرين المتمثل في الثورات العربية. ولهذا، أراد أن يسجل مواقف ويعقد صداقات مع صنّاع هذه الأحداث. فقد يؤتي ذلك ثماراً تستفيد منها إسرائيل أيضاً، لكن كل ذلك يتوقف على رشد هذه الثورات وأصالتها لأنها تواجه تحديات ليس أخطرها صداقة برنار هنري ليفي». الكاتب الجزائري سليم بوفنداسة يوافق الروائي الليبي في رؤيته. يرى أن تدخّل برنار هنري ليفي ومشاركته في ثورة ليبيا «استمرار لتعاطي BHL مع الحروب منذ حرب البوسنة. هذا الرجل لا ينطلق من أي مرجع أو مبدأ، لكنه يتحرك كبائع كتب وأشرطة مصوّرة و«مثقف ميديا» يهمه أن يذكر اسمه مقروناً بالأحداث الجارية. مشاركته في أحداث ليبيا وجدت الصدى لكون هذا البلد ما زال مجهولاً من الداخل لدى الغربيين، ويفتقر إلى مثقفين كبار يخاطبون العالم. لقد ذهب الفيلسوف نفسه إلى مصر، وفشل في لفت الأنظار في ميدان التحرير، لأنّ النخب المصرية أغلقت مجال اللعب أمامه. من جهة ثانية، لا يستطيع برنار هنري ليفي أن يكون نصيراً للثورات أو مروّجاً نزيهاً لخطاب الحرية، وهو يناصر في الوقت عينه الجيش الإسرائيلي». لكن الصحافي الليبي المقيم في بيروت سمير السعداوي، له رؤية مغايرة. يقول: «أعتقد أن اختيار الرئاسة الفرنسية ليفي مندوباً للاتصال مع الثوار في ليبيا مرده إلى أنّ ليفي مولود في الجزائر ومطّلع على ثقافة المنطقة، كما يتمتع بخبرة بوصفه صحافياً عايش أحداثاً ساخنة كمراسل حربي، وخصوصاً في بنغلادش أوائل السبعينيات. أما الإشارة إلى كونه يهودياً، فهي في تقديري ضرب من السذاجة. صحيح أنّ اليهود سوقوا أنفسهم في الغرب على أنهم يفهمون العرب أكثر من غيرهم، ويستطيعون تكوين جسر بين الثقافة العربية والثقافة الغربية التي يدعون الانتماء إليها، لكنّ الأجهزة الفرنسية تملك من يستطيع خدمة أهداف مبيتة لها إذا صحت هذه الأهداف، ولا تحتاج إلى إرسال مفكر يهودي لتنفيذ غايات مبيتة. أعتقد أن الإشارة إلى ديانة ليفي حاول بعض المنتفعين في النظام الاستبدادي السابق استغلالها على اعتبار أنهم رأوا فيها «نقطة ضعف» يمكن العزف على وترها ليس إلا».
أما الناشط الحقوقي الليبي والسجين السابق عمر التواتي، فيعود بنا إلى سنوات ماضية حدث خلالها تواصل بين ليبيا وفرنسا في المجال الثقافي، معتبراً إياه تمهيداً لتوغلها العميق في الحالة الليبية. يقول: «لعل ذلك يذكرني بمجيء وفد فرنسي إلى جامعة بنغازي عام 2003 لإلقاء محاضرة «صراع الحضارات». وكانت فرنسا آنذاك تعارض الحرب على العراق. فرنسا دولة مفعمة بالدبلوماسية وتحسب خطواتها. انظر إلى زيارات ليفي بوجه فرنسي رسمي، وإن لم يعلن ذلك صراحة. وعبر عملي كمحقق صحافي، لاحظتُ وجود استخبارات عالمية على الأرض الليبية. الظاهر منذ ذلك الوقت أن فرنسا تسعى إلى بناء مكانة لها في قلوب الليبيين».
الروائي والناشر الجزائري بشير مفتي يظن أنّ لبرنار ليفي أجندته السياسية الخاصة. هو ينتمي إلى اللوبي الإسرائيلي الذي يدافع بشراسة عن مصالح إسرائيل في أوروبا. لكن «هناك تناقض بين دفاعه عن حق الشعب الليبي في الحرية والديموقراطية، وعدائه للشعب الفلسطيني. وهي أمور تخرجه من دائرة الكاتب والمثقف، إلى دائرة الشخص المجهول الذي يؤدي أدواراً لصالح جهات معينة. ولهذا يجب النظر إليه بحذر. وإن كان لا بد من التعامل معه، فيجب أن يكون ذلك بذكاء ويقظة».
أما الكاتب الليبي محمود الصابري، فيربط مشاركة ليفي في ثورة ليبيا بمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي بشرت كوندوليزا رايس بأولى إرهاصاته عبر «الفوضى الخلاقة». وهو «مشروع يوفر مناخاً مواتياً لإسرائيل لبسط هيمنتها الكاملة على المنطقة. ليفي ينفّذ أحد الأدوار في هذا المشروع الذي يتوقع وفق نظرية رابين أن يضع حداً للصراع العربي الإسرائيلي».



برنار ♥ الثورة

حشر ليفي أنفه في الثورات العربيّة منذ انطلاقها. يحلّ على ميدان التحرير، ثمّ يطير إلى بنغازي لدعم الثوّار، متمنياً أن تزيل الديموقراطيّة الشعارات المعادية لإسرائيل. وبين الزيارتين ينظّم مهرجاناً تضامنيّاً مع الشعب السوري في باريس. يروي BHL تجربته مع الثورة في كتاب يصدر الشهر المقبل عن دار «غراسيه» بعنوان «الحرب من دون أن تحبها» يسرد فيه «نشاطه من أجل ليبيا حرّة»!