الرباط | ليل الجمعة الماضي، بثّت قناة «نسمة تي. في.» فيلم الكرتون «برسيبوليس persepolis» (2007) للمخرجين الفرنسي فنسان بارونو والإيرانية مرجان ساترابي، المقتبس عن كتاب كوميكس أنجزته الفنانة المقيمة في باريس، ويروي طفولتها تحت حكم الثورة الإسلامية وينتهي بهجرتها إلى فرنسا في الـ 24 من عمرها.
هكذا، روى الفيلم قصة مرجان (8 سنوات) وطفولتها ومراهقتها في إيران بداية الحكم الإسلامي. تلك الحقبة التي شهدت مصادرة الحريات الفردية، وفرض الحجاب، ومظاهر أخرى اجتاحت المجتمع الإيراني... وفي العمل نفسه تتحدّث الفتاة مع الله الذي يظهر على شكل رجل طيب عجوز يناقش الفتاة المتمردة...
وكان الشريط قد أثار ردود فعل وجدلاً واسعاً عند عرضه للمرة الأولى في عام 2007، لكن هذه المرة وصل الدور إلى تونس. بعد عرض المحطة للعمل مدبلجاً إلى اللهجة العامية، ثار الإسلاميون وعدوه «إساءة إلى الذات الإلهية»، و«ومحاولة لإخافة التونسيين من إمكان وصول الإسلاميين إلى الحكم». بداية الاحتجاج كانت على موقع فايسبوك. هنا انتقد ناشطون إسلاميون بث المحطة «الملحدة والصهيونية» للفيلم، داعين إلى مقاطعتها. وقد أنشئت صفحات عدة لهذا الهدف، منها «حملة مليون توقيع لإغلاق قناة نسمة الصهيونية»، و«مع إغلاق قناة الصهاينة نسمة»، و«معاً لإغلاق قناة الكفر نسمة»... وتحوّل هذه الصفحات اسم «نسمة» إلى «نقمة».
اللافت أنّ هذه المجموعات نجحت في استقطاب أكثر من 25 ألف ناشط على فايسبوك خلال أقل من يومَين. أما التعليقات، فراوحت بين مطالبة المحطة بتوضيح، وغاضبين يؤكدون ضرورة إقفالها، وحتى «قتل الكفرة الذين يديرونها»! كما نشر الناشطون على هذه الصفحات الأخبار العاجلة المتعلقة بتطورات هذه القضية، ومنها أسماء الشركات التي قيل إنّها ستتوقف عن عرض إعلاناتها على هذه الشاشة، إلى جانب لائحة بالأحزاب التي دعمت «نسمة»، ودعوا إلى مقاطعتها.
إذاً هذه الخلطة من الكراهية والتكفير، كانت كافية لتأزيم الوضع، حتى وصل الأمر حدّ الدعوة إلى... إحراق مقر المحطة. هكذا اتجه أكثر من 300 شاب إلى مبنى «نسمة» في العاصمة التونسية أول من أمس، لتحقيق هذا الهدف. وعكس ما جرى الترويج له، فإن السلفيّين لم يكونوا وحدهم في «ساحة المعركة»، بل إن تونسيين آخرين شعروا (فجأة) باستفزاز لمشاعرهم الدينية، فاختاروا المشاركة في «حرق التلفزيون الملحد»، قبل أن يدخلوا في مواجهات مع رجال الشرطة. وقد اعتُقِل حوالى مئة شخص من المشاركين في الاحتجاج.
المدير العام للمحطة نبيل قروي أكد أنّ العاملين في القناة تلقوا في السابق تهديدات عدة «لكن هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها المتشددون تنفيذ تهديداتهم». ووصف محاولة حرق القناة بـ«الشكل الجديد من الدكتاتورية في حق حرية الإعلام»، مؤكداً أنه سيرفع دعوى قضائية ضد المعتدين.
لكن ما هي الخلفية الحقيقية لهذا الصراع؟ يبدو الجواب بديهياً بالنسبة إلى معظم التونسيين. لقد أتت هذه المواجهات قبل أيام قليلة من انتخابات المجلس التأسيسي (23 تشرين الأول/ أكتوبر) الذي يبدو أنّ «حزب النهضة» الإسلامي يتجه للفوز فيها. وربط البعض بين بث القناة لـ«برسيبوليس» وهذه الانتخابات، وهو «تحذير من خطر وصول الإسلاميين إلى الحكم». والمعروف أنّ «نسمة تي. في.» من المدافعين عن الخط الحداثي العلماني، وتختلف مع الإسلاميين. وهذا الاختلاف جعل زعيم «النهضة» راشد الغنوشي يتحدّث عن مقاطعة حزبه للقناة في حزيران (يونيو) الماضي. إلا أن مسؤولاً في الحزب نفسه أدان في حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» مهاجمة القناة، قائلاً: «لا يمكن إلا إدانة هذا النوع من الحوادث. ينبغي عدم خلط الأوراق، وعلى الناس التزام الهدوء... إنه حادث معزول».
من جانبها، أكدت إدارة القناة أنها لن تخضع للتهديدات وستعيد عرض الفيلم اليوم، فهل يعود السلفيون إلى تنفيذ تهديداتهم، ويصبح هذا «الحادث المعزول»... قاعدة؟