لم ينم المراسلون الأجانب المستقرون في القاهرة أول من أمس قبل أن يرسلوا آخر مشاهد «المعارك» التي عاشوها من أمام «ماسبيرو». مشاهد روّعتهم بقدر ما روّعتهم اللهجة الطائفية غير المسبوقة بين نشطاء مواقع التواصل الإلكتروني «أبطال الثورة المصرية» (كما ورد في تقرير مراسلة «نيويوركر»). لا وقت للتحليلات، بل وصف مستفيض لتفاصيل تظاهرة تحوّلت الى اشتباكات دامية بين مسيحيين والجيش، ونقل لأجواء محمومة من شارع يعيش «أسوأ أحداثه منذ سقوط نظامه السابق»، كما اتفق الجميع، وفيما تفاوتت أعداد القتلى بين صحيفة وأخرى، أجمعت العناوين العريضة على أمر واحد «تصاعد حدّة الانقسام الطائفي في مصر».
بعض الصحافيين ضمّن تقريره غمزاً من قناة المجلس العسكري، والبعض الآخر شنّ هجوماً مباشراً عليه.
مراسلا «نيويورك تايمز» و«لوس أنجلس تايمز» الأميركيتان في القاهرة دايفد كيركباتريك وجيفري فليشمان وصفا في مقاليهما كيف تحوّلت «تظاهرة سلمية للأقباط الى معركة حول حكم المجلس العسكري ومستقبل مصر».
فليشمان أكّد أن الاحتكاك بدأ «عندما تعرّض بعض المتظاهرين الأقباط ممن حملوا الصلبان للاعتداء من قبل بلطجية»، وكيركباتريك استغرب سرعة تطور الأحداث، مشيراً الى أنّ «بعض المسلمين نزلوا الى الشارع للدفاع عن الأقباط ضد رجال الأمن، ومسلمون آخرون هرعوا لمساندة الجيش في سحق التظاهرة من أجل الحفاظ على الاستقرار والأمن». معظم المراسلين الذين واكبوا الأحداث أشاروا الى أن التظاهرة التي بدأت بشعارات «الشعب يريد إسقاط المشير» و«المسلم والمسيحي يد واحدة» قمعها رجال الأمن، ووُوجهت بتظاهرة أخرى علت منها صرخات «الشعب يريد إسقاط المسيحيين» و«إسلامية إسلامية». «ومع انتهاء الليل لم يعد بإمكاننا معرفة مَن يقاتل مَن» يشير مراسل الـ «تايمز».
الصحافيون الأميركيون والبريطانيون الذين رافقوا الثورة المصرية ميدانياً منذ بدايتها، اتفقوا في تقاريرهم الأخيرة على أمرين: أولاً، دور التلفزيون المصري الرسمي في تصعيد حدّة الاشتباكات بالانحياز الكلي للمجلس العسكري، وبدعوة «المصريين الشرفاء» إلى الدفاع عن الجيش، وثانياً كلام رئيس الوزراء عصام شرف عن «المؤامرة التي تحاك ضد البلد»، التي تذكّر بكلام حسني مبارك البروباغندي القديم عن «الأيادي المخفية التي تعبث بالأمن». التصويب المباشر على المجلس العسكري واتهامه بعرقلة الانتقال الى الديموقراطية بافتعال الفتن وتأجيج الأوضاع الداخلية، جاء على لسان طوني كارون مدوّن مجلة «تايم» الأميركية، وجاك شانكر من صحيفة «غارديان» البريطانية. بنظرهما، اللعبة واضحة: المجلس العسكري الحاكم سيهوّل بشبح الفتنة الطائفية وخطر الفوضى ليبرر تشديد قبضته على الحكم، والاستمرار على رأسه مدة أطول. شانكر بدوره يرى أن الاشتباكات الأخيرة ستحوّل الانتباه عما يقوم به المجلس العسكري من خطوات إدارية وسياسية ودستورية لتثبيت أقدامه أكثر في الحكم. «المجلس الحاكم يبذل كل ما بوسعه لخنق أي إنجاز أو خطوة نحو الديموقراطية» يردف شانكر، فيما ينعى كارون «ربيع مصر»، ويبشّر بـ «شتاء مرّ وقاسٍ».