تنتمي تجربة عبد قادري (1984) إلى مناخ تشكيلي بات يتراكم ويترسخ أكثر في تجارب عدد من أقرانه اللبنانيين الشبان الذين يدسّون أفكاراً وأمزجة شخصية داخل أعمالهم. لا نتحدث هنا عن التجهيز أو الفيديو آرت، لكن روحية هذا النوع من الممارسات الراهنة تتسرّب إلى أعمال هؤلاء، رغم إخلاصهم لفكرة أن اللوحة هي حصيلة ألوان وخطوط.
هناك سعي واضح في شغل هؤلاء إلى تسجيل بصمة شخصية أو خلق مساحة للطموحات الذاتية. في معرضه الفردي الأول «شهود»، الذي تحتضنه غاليري «آرت سيركل»، يعرض الرسام اللبناني المقيم في الكويت 13 لوحة يمكن القول إنها مدينةٌ لهذا النوع من الطموحات.
هناك كثافة لونية متأتية من التلطيخ العصبي والمرتجل. لا نيّة لدى الرسام لجعل لوحته رائقة ومناسبة لمشاهد تقليدي. الشراسة والعدائية تطفوان على سطح اللوحات وتسبقان موضوعاتها إلينا. كأن الرسام يخبرنا شيئاً أعقد مما يبدو لنا. يظهر ذلك في المذاق السياسي والاجتماعي لعنوان المعرض، بينما يختلط السياسي باللاهوتي في مضامين اللوحات. نجد ذلك في لوحة «آدم وحواء والقطة البيضاء» المدروزة بالآية القرآنية «وقلنا اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌ ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين».
في «العشاء الأخير»، نرى مسيحاً واقفاً يحيط به حواريو العشاء في غياب الطاولة الشهيرة. في «التضحية»، يحتل ثورٌ رامحٌ مرسومٌ بالأحمر القاني مقدمة الجدارية، بينما خمس قامات بيضاء بوجوه سوداء في الخلفية. في لوحة «قيلولة»، يُجلِسُ الرسام جندياً مستنداً إلى بندقيته، ويكتب على دائرة حمراء في الخلفية، من شعر محمود درويش: «في كوخنا يستريح العدو من البندقية، يتركها فوق كرسي جدي، ويأكل من خبزنا كما يفعل الضيف...».
المزاج الأيقونيّ المفرغ من شحنته الإيمانية والمحشوّ بضلالات معاصرة يظهر أيضاً في ثمانية بورتريهات تحمل عنوان المعرض. وجوه كالحة منجزة بإيعاز تكعيبي ودسامة لونية وخطية متوترة تذكرنا بماتيس وشيلي. الكتابة ـــ دينية كانت أم ذاتية ـــ تتخلص من بعدها الزخرفي، وتصبح جزءاً من تأليف اللوحة. ما يحاول عبد قادري إيصاله يفيض عن مضمون أعماله. الألوان نفسها تقوم بأداء لوني وسيكولوجي معاً. إلى جانب القتامة اللونية، نجد سعياً إلى تأريخ الألم البشري وأسئلة الوجود الفردي والجماعي.
الرسام الشاب الذي سبق له أن أنجز أعمالاً بتأثير من فظاعات الجيش الأميركي في سجن أبوغريب، يواصل هنا رؤاه الكابوسية كواحد من «شهود» لوحاته حيال عالم مهدد بالاضطرابات والحروب.

«شهود»: حتى 20 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل ـــــ غاليري Art Circle، (الحمرا/ بيروت). للاستعلام: 03/774510