إحياءً لذكرى اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر)، ضربت لنا غاليري Running Horse موعداً مع «اطلب 911 من أجل الشرق الأوسط الجديد» الذي تقدّمه مجموعة The Feel Collective ويضم أعمالاً لنديم كرم، ألفريد طرزي واستديو Penguin Cube (راجع الكادر). يقدّم المعرض نظرة استعادية إلى السنوات العشر الماضية الملأى بـ«الجنون السياسي» وفق تعريف القيّمين على المعرض.
يقدّم نديم كرم 100 رسمة استوحاها خلال عدوان تموز من متابعته للحرب الإسرائيلية على لبنان صيف 2006، عندما كان لاجئاً في بريطانيا. أعمال بالأسود والأبيض مطبوعة على ألومنيوم، ومصفوفة بطريقة تشكّل حائطاً كبيراً. تتكرّر هنا العناصر، كالقنابل والطائرات، والناس المذعورين. واللافت أنّ رسوم كرم تحوي إيحاءات جنسيّة أشبه «بقراءة فرويدية» لعالم الحرب في اللاوعي الإنساني.
أمّا استديو Penguin Cube فيقدّم تجهيزاً يظهر برجي التجارة لحظة اصطدام الطائرة بهما مع انفجار متكرر عبر أضواء النيون. عمل يشجب ـــــ وفق القيّمين عليه ـــــ الاستغلال المتعمّد لصور الانفجار الذي تلجأ إليه الولايات المتحدة بهدف تبرير قراراتها وتدخّلاتها في العالم.... ما جرّد لحظة الانفجار من بعدها الدرامي والإنساني.
أما ألفريد طرزي الذي يعرض أعمالاً عدة في المعرض، فيقدّم نظرته إلى تطورات المنطقة عبر استعادة فن «البوب آرت» الخمسيني، وإعادة تقديمه ضمن مشهدية خاصة: هكذا، نشاهد تمثال الحرية يبكي، وخلفه خريطة مزركشة بالألوان تحت عنوان «يا ظالمني»، أو صورة ذاتية لطرزي بلباس سيّد شيعي، وعلى يمينه ويساره امرأتاه مرتديتين الحجاب السنيّ. وهناك أيضاً لوحة «تفجير السفارة الأميركية في بيروت ـــــ 1983»، حيث يخرج منها الرجل الخارق دامعاً وحاملاً المرأة الخارقة جثةً هامدة. وفي الغرفة الداخلية، يعرض طرزي فيديو «ألف ليلة وليلة» على أنغام الأغنية المذكورة من تلحين بليغ حمدي، ومع مشاهد من أرشيف الغزو الأميركي للعراق.
المعرض الذي يقترح أعمالاً ذات جمالية عالية، تشوب علامات استفهام طرحه الفني أحياناً. فهو في الشكل والتقديم، بعيد عن أي طرح «عربي/ مشرقي». اللغة المستعملة داخل اللوحات كعنصر فني/ معلوماتي، كلها بالإنكليزية. فيما تأتي بعض الكلمات والموسيقى العربية ضمن سياق استشراقي. وإذا توقفنا عند أعمال طرزي، نلاحظ اللغة الفنية الغربية التوجه، من حيث اعتماد الـ«بوب آرت» كمعجم فني في ترجمة الأفكار. لا مجال للدخول في تحليل تطور اللغات الفنية وانتماءاتها ومدلولاتها السياسية. لكن لا يمكننا غض النظر عن أنّ المعرض يحاكي شكلاً ومضموناً جمهوراً غربي الثقافة من دون التوجه إلى الجمهور العربي المحلي.
لسنا هنا في صدد اتهام الأعمال بالتسويق لنفسها في الغرب، كما تسوّق الولايات المتحدة لتفجير برجي التجارة. لكن إن كان الخطاب الفنّي/ السياسيّ النقديّ موجهاً إلى الغرب، فلماذا عرضه في غاليري في بيروت؟ علماً بأنّ الأعمال تتناول عدوان تموز، والفتنة الشيعيّة السنيّة، والحرب على العراق، وحتى الثورات العربية... وطرزي يؤكد أنها مخططات أميركية.
أليس الجمهور اللبناني والعربي بحاجة إلى قراءة معالجة فنانيه لأوضاعه واهتماماته؟ ألا يستعيد «البوب أرت» الصور المستهلكة من مجتمعه لإعادة صياغتها في نظرة نقدية يخاطب فيها أبناء مجتمعه؟ أم أن الفن المعاصر في بيروت لا يزال مصرّاً على التقوقع كي يتحول الـ«بوب أرت» إلى فن نخبوي؟
من المؤكد أن هذه اللغات الفنية عالمية بأدواتها، واستعمالها حق للجميع. لكن، هل نحن في مرحلة توغلٍ في محو هوية فنية عربية/ مشرقية؟ فلنجعل الفن المعاصر ينطق لغة الضاد المشرقية لا الاستشراقيّة.

«اطلب 911 من أجل الشرق الأوسط الجديد»: حتى أول ت ١ (أوكتوبر) ــــ غاليري Running Horse، (الكرنتينا/ بيروت). للاستعلام: 01/562778



الفن يقاوم

The Feel Collective تقدّم نفسها على أنها مجموعة من الناشطين الثقافيين الذين يتخذون من بيروت مركزاً لهم. تعمل المجموعة على جمع الناس من مختلف الاختصاصات للتعاون في مشاريع ثقافية. كما تهدف إلى إخراج الفن المعاصر من المتاحف وصالات العرض إلى قلب العواصم العربية. والأهم أنّها تعرّف عملها بالمقاومة ــــ عبر الفن والثقافة ــــ للولايات المتحدة الأميركية «الفاقدة للذاكرة».