يشهد مسرح «دوار الشمس» هذه الأيام عرض سليمان البسام الجديد «ودار الفلك». المسرحية التي يشارك فيها نوار يوسف، ونصار النصار، وفايز قزق، وفيصل العميري، وأمل عمران، وسليمان البسام، ونقولا دانيال، وكارول عبود تمثّل ختام الثلاثية الشكسبيرية العربية التي بدأها المخرج الكويتي بـ«مؤتمر هاملت» (2002). هذا الأخير كان نصّاً موازياً لنصّ هاملت الشهير «شكسبير»، لكنّ البسام عالجه على ضوء أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، وعلاقة العرب بلغتهم.
بعدها، اشتغل على مسرحية «ريتشارد الثالث» وقدّمها بعنوان «ريتشارد الثالث: مأساة عربية» (2009) حيث علّق على الحرب كأداة طغيان واستعمار، لا كأداة تحرير، في ردّ غير مباشر على الحرب الأميركية على العراق. أما «ودار الفلك» (2011) فقد استند إلى «الليلة الثانية عشرة» لشكسبير. يرتكز المخرج على أعمال صاحب «روميو وجولييت» لأنّه يرى أنّها تحاكي الواقع العربي ومعادلاته بامتياز.
بدأ البسام (1972) العمل على «ودار الفلك» ضمن بروفات بين دمشق والكويت في كانون الثاني (يناير) 2010. كان العرض وقتها ذا ملامح سوداوية، ينضح باليأس من راهن المجتمع العربي، وعلاقة الفرد بالسلطة وبالدين، وعلاقة الأخير بالمجتمع، وتحالف السلطة والدين اللذين أديا إلى قمع الشعوب حتى اليوم. كان العرض يحاول مقابلة الواقع بعصر الستينيات النهضوي.
لكن «الربيع العربي» فرض على الكاتب/ المخرج إعادة النظر في النص، فكان أن فتح الفصل الأخير من المسرحية لاستيعاب المتغيرات واحتوائها. هكذا، قدم العرض الأول المعدّل في الكويت في شباط (فبراير) الماضي. بعد عرض الليلة الثانية، سقط حسني مبارك، ما دفع البسام إلى إجراء بعض التعديلات في عرض اليوم الأخير. إنّه أسلوب اعتاده المخرج في إعادة كتابة مسرحياته كل لحظة. وأصبحت المسرحية تستند إلى نصّ شكسبير كما المسرح بوصفه مساحة للحرية في زمن الثورات العربية.
تدور أحداث «ودار الفلك» في دولة ما من العالم العربي مُنعت فيها مختلف أشكال المسرح والتجمعات العامة. يرسل النظام «المتحدث» (سليمان البسام) وهو مخرج مسرحي ملتزم سابقاً، ومدجّن موالٍ الآن، لإعادة تركيب مسرحية «الليلة الثانية عشرة» المحظورة منذ الستينيات من القرن الماضي. إلا أنّ المتحدث يفشل في مهمته ومن ورائه السلطة، ما سوف يؤدي حتماً إلى سقوط السلطة، ومعها المعارضة أيضاً، ويفسح مجالاً لقيام دور ثالث في المساحة السياسية والاجتماعية الفارغة.
اليوم، يرى البسام في هذا العرض ختاماً لثلاثيته كنتيجة فعليّة لهذه الثورات. منذ الآن، سيخلع قناع النص الشكسبيري بهدف الاقتراب أكثر إلى ملامح الوجه وما تحمله من رمزية ومشهديات التغيير. مسرح سليمان البسام سياسي كلمةً وفعلاً. يرتبط ارتباطاً مباشراً بالتحولات السياسية في المنطقة بمعناها الواسع. وتتوجه أعماله إلى الجمهور العربي والأجنبي على السواء. لكنّ هذا التوجه نحو جمهور عالمي لم يدفع المخرج إلى الانصياع لمتطلبات الغرب وتقديم الصورة المطلوبة من مخرج عربي. بل تناول نصوص شكسبير في أعمال عربية على مدار السنوات العشر السابقة، كجزء من عملية تحريضية يستدرج فيها الوعي الاجتماعي إلى إعادة قراءة نصوص عالمية على ضوء رؤية عربية جديدة.
ينطلق البسام في أعماله من النص المكتوب، ومنه يبني التوجه الذهني للعرض الذي يبقى الأهم بالنسبة إليه كمخرج. في «ودار الفلك» نظرة وفعل مسرحي يتلاشى في أيامنا شيئاً فشيئاً مع غزو أشكال «الفن المعاصر» خشبة المسرح. تجربة على مستوى عال من الاحتراف، ونص ورؤية وفعل تحاكي حاضرنا ومستقبل ما بعد الثورات العربية.



«ودار الفلك»: 8:30 ليل اليوم والغد ـــ «مسرح دوّار الشمس» (الطيونة/ بيروت). للاستعلام: 01/381290