حتّى الناشطون الذين يطالبون بجردة حساب عن تمويل الثقافة في لبنان لم يصدّقوا الخبر: لقد حرّك «ديوان المحاسبة» أخيراً قضية «بيروت عاصمة عالمية للكتاب». يبدو أن التحرّك الذي قاده مثقفون وناشطون في المجتمع المدني أتى ثماره («الأخبار» ٢٤/ ٨/ ٢٠١١)، رغم المماطلات والضغوط. خطوة مهمة، وخصوصاً أنّها من المرّات النادرة التي ستصل فيها قضية فساد مماثلة إلى المحكمة.بعد طول انتظار إذاً، أحال مدير ديوان المحاسبة القاضي عوني رمضان الملف على غرفة الرقابة في الديوان. الغرفة ستتولى إصدار قرار اتهامي قريباً. خطوة تأخّرت خمسة أشهر عن تاريخ الادعاء، لكن المهمّ أنها جرت. وكانت النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة ادّعت منذ أيار (مايو) الماضي، على المسؤولين عن مخالفات شابت مشروع «بيروت عاصمة عالمية للكتاب»، وفي مقدّمهم المدير العام لوزارة الثقافة عمر حلبلب.
لكنّ الملف الموثق بالأرقام، بقي مدفوناً في أدراج ديوان المحاسبة. السبت الماضي، اعتصم الناشطون في الحملة المدنية لتحريك قضية الفساد في تظاهرة «بيروت عاصمة عالمية للكتاب»، أمام مقرّ الديوان في القنطاري (بيروت). لم يكن عدد المعتصمين كبيراً، لكن القيمة الرمزيّة للحاضرين كانت كافية لإيصال الرسالة. حول قادة الحملة: المسرحي جنيد سري الدين، والممثل عمر أبي عازار، والمخرجة رين متري، تحلّقت مجموعة من الفنانين والناشطين، بينهم روجيه عساف، وعصام بو خالد، وهانية مروّة، وشريف صحناوي...
المعتصمون أدانوا «أي ضغوط سياسية على قضاة ديوان المحاسبة، لمنعهم من ممارسة عملهم». لم يكن روجيه عساف متفائلاً بأن يخرج التحرك بنتيجة، لكنّه أعلن موقفاً صريحاً: «الميزانية المخصصة لوزارة الثقافة صغيرة، ومن حقنا كدافعي ضرائب أن نعرف كيف يجري إنفاقها». من جهته، رأى الموسيقي شريف صحناوي أنّ من «المحزن اكتشاف فضائح مماثلة، في وقت يعاني فيه الفنانون من غياب أي دعم مادي لإنتاج أعمالهم».
صباح أمس جاء النبأ السعيد. أبلغ المدعي العام لدى ديوان المحاسبة بالإنابة بسام وهبة، جنيد سري الدين والمجموعة أن المحاكمة بدأت. لا يهم إذا كان تحرّك السبت هو الشرارة التي عجّلت في القرار، المهمّ أن يطمئن الرأي العام إلى جديّة الإجراء القانوني. «نريد أن نعرف سبب التأخير في بدء المحاكمة»، يصرّ جنيد سري الدين. «سنتابع تفاصيل القضيّة عن قرب، وسنواصل دورنا الرقابي في ما يتعلّق بأداء وزارة الثقافة».
من جهته، توجّه عمر حلبلب بطلب رسمي لاستكمال التحقيق في القضيّة، في محاولة منه ربما لتفادي تحمّله المسؤولية منفرداً عن الأموال التي أسيء صرفها في اطار المشروع. فهل ستنجح المحكمة فعلاً في كشف ـــ ثم محاسبة ـــ من حوّلوا بيروت إلى «عاصمة عالمية للفساد»؟