على جدران القاعة الخارجية لنقابة الصحافة عُلِّقت ظهر أمس أعداد قديمة من جريدة «السفير»: «بيروت تحترق ولا ترفع الأعلام البيضاء» (5/ 8/ 1982)، «25 ألفاً يطالبون بتأميم الرغيف» (28/ 3/ 1974)، «نجا طلال سلمان... والسفير مستمرة» (15/ 7/ 1984)... محطات أساسيّة في عمر الجريدة العريقة وذاكرتنا الجماعيّة، منذ انطلاقها عام 1974. وها هي الجريدة البيروتيّة، التي عايشت المراحل المختلفة، تدخل رسمياً منعطفاً جديداً في مسيرتها مع فتح رأسمالها لمساهمين من خارج العائلة.
أوّل القادمين هو رجل الأعمال السوري ـــــ الأميركي جمال دانيال، الذي بات يمتلك 20 في المئة من أسهمها. هذا ما أراد ناشر الصحيفة طلال سلمان أن يطلع عليه الرأي العام، بعد أسابيع على انتشار خبر في الإعلام عن طرح 49 في المئة من أسهم «السفير» للبيع، على أن تبقى الأسهم الباقية في يد مالكيها الحاليين.
«جمال دانيال سيكون شريكنا الأول، ونتمنّى ألا يكون الأخير» قال الإعلامي المعروف في مؤتمر احتضنته نقابة الصحافة أمس في بيروت. وأضاف: «نأمل أن يتقدّم من يَنظُمون القصائد في حرية الصحافة (...) للمساهمة في حماية هذه الصحافة، التي لا تزال قريبة من ضمير الأمة، وليست لسان حال السلطان». كذلك أخبرنا سلمان أن كلوفيس مقصود كان صلة الوصل بين «السفير» ودانيال. ورداً على كل ما نشر عن علاقات جمال دانيال مع عائلة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، والإدارة الأميركية (راجع «الأخبار» عدد 1497)، أوضح ناشر «السفير» أن شريكه الجديد يملك «طموحات وطنية عامة، لا شبهة فيها لغرض أو مصلحة، فلا هو يريد أن يكون وزيراً أو نائباً أو زعيماً، ولا هو يريد الهيمنة أو الحجر على الأقلام والآراء والاجتهادات (...) ولا يعمل لحساب الخارج».
طمأن طلال سلمان قرّاء «السفير» والعاملين فيها إلى أنّ خطّها التحريري لن يتغيّر، على أن تبقى «صوت الذين لا صوت لهم»، لكن ماذا عن صورتها «الممانِعة»؟ ألن تتأثّر بشراكتها مع رجل أعمال مشهور بعلاقاته الاقتصادية والسياسية داخل الولايات المتحدة؟ يبدو سلمان واثقاً بشأن حفاظ «السفير» على هويّتها كـ «جريدة لبنان في العالم العربي، وجريدة العالم العربي في لبنان». وأكد في دردشة مع «الأخبار»: «مضمون الصحيفة يتحدّث عنها، وهو يثبت أنّ خطّنا لم يتغيّر». وأضاف ناشر «السفير» ورئيس تحريرها: «دانيال هو من أتى إلينا، وقد أخبرني أنه معجب بالصحيفة ويقرأها منذ أكثر من 25 سنة، وبالتالي لم يكن ليقدم على هذه الخطوة لو أراد تغيير خطّنا التحريري». أما «عرّاب» هذا المشروع، كلوفيس مقصود، فتحدّث عن التحديات التي تواجه الصحافة المكتوبة «في زمن التغيرات في العالم العربي»، مؤكداً أن «الصحافة المكتوبة تبقى وحدها «المرجعية عند كتابة التاريخ».
مع انتهاء الترتيبات الإدارية الأخيرة الجارية هذه الأيام، تتحوّل «السفير» إذاً من مؤسسة عائلية إلى شركة. يشرح المدير العام للصحيفة ياسر نعمة لـ «الأخبار» تفاصيل هذا الانتقال، موضحاً أن «ليفنت ميديا» التي يملكها جمال دانيال ويديرها كلوفيس مقصود، ستدخل في شراكة مع «السفير»، وهو ما سيحصل مع باقي الشركاء أيضاً. وحتى الساعة لم يعلَن مرشّحون جدد لدخول رأسمال الجريدة. غير أن نعمة أشار في حديثه إلى «الأخبار» إلى محاولة لإعادة إحياء المفاوضات مع مجموعة من رجال الأعمال، كان دخولهم إلى الصحيفة مطروحاً عام 2003. يومذاك عرضت الأسهم على مجموعة نجيب ميقاتي، وعصام فارس، وبعض المصرفيين وأصحاب الشركات والمغتربين، لكن المفاوضات لم تؤدِّ إلى أيّة نتائج يومذاك، فما الذي سيتغيّر؟ لمن يهمّه الأمر اليوم، فإن 29 في المئة من أسهم جريدة «السفير» ما زالت مطروحة في السوق.