تحت عنوان Unbound (من دون قيود)، عرضت شيرين عودة (الصورة ــ 1970) ثماني عشرة لوحة منجزة بألوان الإكريليك على قماش، على جدران غاليري «بياس أونيك» (الصيفي فيلادج ـــ وسط بيروت). في المعرض الذي اختتم أخيراً، النساء حاضرات بكثافة، لكنهنّ بلا رؤوس وأقدام. تحذف الرسامة الأردنية الوجوه وتجهِّل الملامح، وتحوّل حضور نسائها إلى مسألة سوسيولوجية عامة. قسوة الخطوط ولطخاتها السوداء والعريضة تُظهران آلاماً مواربة لا يمكن تخمينها على الملامح الغائبة. هناك تأملات شخصية مسبقة متداخلة مع إنجاز اللوحات التي تبدو مدينةً لروحية المشروع أو الفكرة الواحدة المنفّذة بترجمات متعددة. الهوية الجندرية هي الترجمة الأبرز لعالم أنثوي، محكوم بقيودٍ تضيّق مساحات الحرية الشخصية، والبحث عن الذات، ما يبدو مطلباً نضالياً لا يفسد الانطباع العام للمعرض. إنه مدسوس في بنية اللوحات وتقنيات تأليفها. تقنيات لا تكترث بخلفية اللوحة، فتبدو الأجساد والأشكال نافرة ومنحوتة على البياض الخام.
الرسامة القادمة من ممارسة تجريدية واضحة، تنقل مذاقات التجريد إلى أجساد نسائها المقيدات. نساء عاريات غالباً، ولكن عريهنّ منتهك بخطوط على شكل حبال أو شرائط لاصقة. هناك تركيز على الصدر والعانة، لكنّ عنف اللطخات اللونية، يُطيح المعايير الجمالية التقليدية من أذهاننا. هكذا، تصبح النساء الفاقدات الرأس والقدمين أشبه بفينوسات معاصرة، لا تُحيل أشكالهن المعنَّفة إلى النعومة البديهية المتوافرة في فينوس الأصلية.
معظم اللوحات تحتلها امرأة واحدة. قد يكون لها جناحان، فتوحي بأنها فراشة، بينما الخطوط التي تحيط بها تسجنها في شرنقة. إيحاءٌ غير مقصود ربما، لكنه يقوي فكرة القيود التي تعوق الحركة العادية لأجسادٍ طامحة إلى التحليق في فضاءات اجتماعية ضاغطة على الحرية الفردية.
تخرّجت شيرين عودة في «معهد الفنون الجميلة» في عمان (1992)، وعززت دراستها الأكاديمية بورشات عمل خاصة مع فنانين مثل: نديم كوفي وخالد خريس ونديم محسن. استثمرت في معارضها السابقة مناخات التجريد الهندسي والغنائي، ثم خلطت ذلك مع خلاصات تكعيبية وتعبيرية. تسرب التشخيص الواقعي إلى عملها، لكن بشروط ومتطلبات التجريد التعبيري.
بهذه الطريقة، وضعت شيرين عودة تجربتها الشابة داخل المزاج الراهن لأغلب التجارب التشكيلية الجديدة في العالم العربي. في شغل هؤلاء، لم تعد اللوحة حصيلة معاجم لونية صافية أو انعكاساً ميكانيكاً لفكرة المنظر والموضوع.
لا تبدو أعمال عودة بمستوى أسماء الصفوف الأولى لأقرانها، لكنها تتقاسم معهم الهواجس ذاتها التي تحترم عين المتلقي، وتعده بالمزيد من الابتكار والدهشة.