يحتفي «المعرض الدولي للكتاب في الجزائر» في دورته الـ16بثورتي تونس ومصر، ويقلّل من شأن ثورة ليبيا. ويتخذ من عبارة «الكتاب يحرر» شعاراً، ويتبنّى المواقف السياسية للحكومة، ثمّ يتصالح مع جابر عصفور الذي قفز فوق مطالب ملايين المصريين، وأغمض عينيه عن ميدان التحرير، حيث كان يبزغ مستقبل طالما بشّر به سابقاً. يستضيف المعرض أيضاً بعض الكتّاب الذين عرفوا بمدح معمر القذافي كصلاح فضل، ومحمد سلماوي وواسيني الأعرج، ويختلف مع أحلام مستغانمي الغاضبة من عدم اعتراف الجزائر بالمجلس الانتقالي في ليبيا.
هل تسعى الحكومة إلى الالتفاف على أي مزاج ثوري قد يأخذ الجزائر إلى تغيير سلمي على الطريقة التونسيّة والمصريّة؟ هل تذهب إلى الترويج لثورة مضادّة؟ ذلك ما توحي به خلطة المعرض الذي ينطلق في 21 الحالي في «المجمّع الأولمبي محمد بوضياف». صحيح أنّه يحتضن ملتقى دولياً عن «ربيع الثورات العربية» (راجع الإطار)... لكن نظرة المنظّمين إلى تلك «الثورة» غريبة: فمن المفارقات امتلاء قائمة المدعوين بأسماء مقرّبة من الديكتاتوريات السّابقة. وفي وقت يعلن فيه المشرف على التظاهرة إسماعيل أمزيان أنّها ستكون «ندوة فكرية علمية وأكاديمية»، يتساءل المثقّفون عن أهمية الملتقى، وما إذا كان يهدف لخدمة النظام الحالي. علماً بأنّه سيقام في «المكتبة الوطنية الجزائرية»، وبرعاية مديرها العام عز الدين ميهوبي، رئيس «اتحاد الكتاب العرب» سابقاً، وصاحب مقال «البعد الإنساني في إبداعات معمر القذافي».
وإن كان المنظّمون نجحوا في استقطاب بعض الكتّاب العرب، من مصر وسوريا وتونس والمغرب ولبنان، فقد فشلوا في إقناع آخرين بالحضور. ومن الممتنعين عن المشاركة نوال السعداوي، وأمين معلوف الذي اعتذر بلباقة. وكانت إدارة المعرض ووزارة الثقافة قد راهنتا على حضور الأديب اللبناني الذي انتخب أخيراً للجلوس على كرسي كلود ليفي ستروس في الأكاديمية الفرنسيّة. هكذا جرى الترويج لحضوره في الصحافة المحلية، قبل أن تكون الخيبة من نصيب المؤسسة الرسميّة. وقد سارع أمزيان لاستدراك الأمر، قائلاً إنّ «قيمة لبنان لا تكمن فقط في شخص أمين معلوف، وجميل أنه ستشارك في المعرض شخصيات لم تزر الجزائر من قبل».
وكما جرت العادة، يدعو المعرض كل عام بلداً كي يكون «ضيف شرف» بإيعاز من وزارة الثقافة من دون إشارة إلى سبب محدد يبرر الاستضافة. بعد سويسرا، جاء دور «سويسرا الشرق». سيتمثّل لبنان ببعض كتّابه وصحافييه، أمثال رشيد الضعيف، وعلوية صبح، وحسن داوود، ويمنى العيد، وصولاً إلى إسكندر حبش وعبده وازن وزاهي وهبي و... جمانة حداد. هناك أيضاً بين المدعوين شوقي بزيع الذي أثار لغطاً في الجزائر قبل سنتين، عندما رفض القراءة في عكاظية الشعر العربي، متذرعاً بضعف مستوى الشعراء المبرمجين معه في الأمسية، ما عرّضه لسيل من الانتقادات واتّهم «بالتعالي».
تغيب عن قائمة الضيوف اللبنانيين أسماء مهمّة، وقد برّر أمزيان ذلك بقوله إنّ «وزارة الثقافة هي التي تنسّق في هذا الخصوص مع نظيرتها في لبنان. فالوزارة اللبنانية اختارت الضيوف». لكنّ أحد المنظّمين كشف ﻟـ«الأخبار» أن الدعوات وصلت مباشرة إلى أيدي المعنيين، كما حدث مع المصريين جمال الغيطاني وأمينة زيدان.
ولا يبدو المثقفون الجزائريون متفائلين بالتظاهرة. يلفت محمد ساري إلى أنّ «القراءة في الجزائر في انخفاض مستمر». السلطات تتجنّب التفكير في سياسات تنموية بعيدة المدى، كذلك فإنّ أهمّ الدور المحلية لا تعوّل على «الصالون». دار «البرزخ» لم تبرمج أي إصدارات، وتكتفي «الشهاب» بإعادة نشر ثلاثية الشمال لمحمد ديب. ويأتي المعرض أيضاً في ظل تضييق الخناق على وزيرة الثقافة خليدة تومي، خصوصاً بعد وثائق «ويكيليكس» عن خضوعها لأهواء وزير الداخلية الأسبق يزيد زرهوني في فرض الرقابة على الكتب، وتعاطفها مع آراء تنظيمات دينية في إقفال بعض النوادي والملاهي في «مجمّع رياض الفتح» في الجزائر العاصمة.

«المعرض الدولي للكتاب في الجزائر 16»: من 21 أيلول (سبتمبر) الحالي حتّى أوّل ت ١ (أكتوبر) ــــ «المجمّع الأولمبي محمد بوضياف» (الجزائر العاصمة)
http://www.sila-dz.com



تجاوز القطيعة مع مصر!

بعد القطيعة التي خلّفتها حروب كرة القدم وأدّت إلى تعليق المشاركات المصرية في «معرض الجزائر» خلال العامين الماضيين، عادت المياه إلى مجاريها بين البلدين. وقد تتمثّل النقطة الإيجابية الوحيدة لدورة هذا العام في طيّ صفحة القطيعة مع مصر، من خلال تخصيص جناح عرض مهم لبلد نجيب محفوظ، تتجاوز مساحته 120 متراً مربعاً. وسيشهد هذا الجناج مشاركة ما لا يقلّ عن 80 دار نشر، إلى جانب «الهيئة المصرية للكتاب» و«مكتبة الإسكندرية».