دمشق | مع بداية الاحتجاجات الشعبية في سوريا، تراجعت الفعاليات الثقافية، وصولاً إلى توقفها بالكامل. مهرجانات كثيرة كانت مرتقبة في موسم الصيف ألغيت. مواعيد كثيرة أُجّلت، ما أسهم في جعل أي فعالية ثقافية أو فنية، مهما هزلت، حدثاً استثنائياً جديراً بالمتابعة والاهتمام. ضمن هذه الظروف الصعبة افتتحت الدورة السابعة والعشرون من «معرض مكتبة الأسد الدولي للكتاب»، على أرض مدينة المعارض. المعرض الذي يختتم غداً، شهد مشاركة 250 داراً محلية وعربية وأجنبية من 16 دولة مختلفة، مع تراجع ملحوظ في عدد الدور المشاركة مقارنة بالدورة الماضية، حيث تخطّى عدد الناشرين المشاركين الأربعمئة.
لن يجد قاصد المعرض عناءً في رحلته باتجاه مطار دمشق الدولي الذي يبعد 20 كيلومتراً عن مركز العاصمة. فقد خصّصت إدارة المعرض حافلات مجانية لنقل الزوار، بعيداً عن حالات الازدحام التي كانت تشهدها الدورات الماضية. الأحداث التي تشهدها البلاد انعكست مباشرة على عدد زوّار المعرض. «زيارة المعرض الآن، مغامرة في حدّ ذاتها»، يسرّ أحد الزوّار لـ«الأخبار». «كان من الممكن إقامة المعرض في حديقة «مكتبة الأسد»، أو على أرض مدينة المعارض القديمة وسط العاصمة، ما يمنح الزائر شعوراً بالطمأنينة»، يقول.
أحد المشرفين على الأجنحة يلحظ تراجعاً واضحاً في نسبة الإقبال، «لكننا اعتدنا ذلك، لأنّ العديد من الزوار ينتظرون الأيام الأخيرة للإفادة من الحسومات».
من جهتها، أولت وسائل الإعلام السورية الرسمية والخاصة اهتماماً كبيراً بفعاليات المعرض، فواكبته ببثّ مباشر من داخل أروقته. لكنّ هذا التضخيم الإعلامي سرعان ما بدّده تجاهل أكثر من 60 داراً محلية للمشاركة. وكان أول العوامل المنفرة لهؤلاء الناشرين الغياب التام لجميع الأنشطة الثقافية، من ندوات ومحاضرات أو تواقيع كتب. وهذه فعاليات موازية، يعتبرها الناشرون محطّات مهمة لتبادل الآراء والخبرات في ما بينهم.
من جهة أخرى، أبدى الناشرون امتعاضهم من السماح لدور لم تحقّق الشروط المطلوبة بحجز أمكنة لعرض كتبها من أجل زيادة عدد المشاركين ليس أكثر. وتقتضي شروط المشاركة في الأساس أن تقدّم دار النشر الراغبة في حجز جناح 50 عنواناً من إصداراتها، إضافةً إلى 10 عناوين لكتب أصدرتها خلال عام 2011. وهذا ما لم يتوافر لدى دور كثيرة حجزت مكانها في أروقة المعرض، كما هي الحال مع دار «الحافظ» السورية التي حجزت 9 أجنحة، لتعرض إصداراتها المختلفة، من كتب وأقراص مدمجة. كذلك تنص شروط المشاركة على أن يضع كل ناشر إصداراته في الجناح المخصص له فقط. وهذا ما لم تتقيّد به أيضاً العديد من دور النشر التي وزّعت إصداراتها على الأجنحة الأخرى.
ومن المفارقات التي شهدتها دورة هذا العام، إدراج دار «كنعان» السورية للطباعة والنشر تحت مسمّى مشاركة عربية... فمن المعروف أن ملكيتها تعود لسعيد البرغوثي، وهو عضو مكتب تنفيذي في «اتحاد الناشرين السوريين»، كذلك فإنّ داره تصدر كتبها في دمشق وليس في الخارج.
رقابياً، لم تسجل حالات سحب كتب أو إصدارات من أجنحة المعرض. لكن بعدما تقيّد جميع الناشرين المشاركين في دورة هذه العام بتقديم جداول وتفاصيل وافية عن معروضاتهم إلى مكتب الرقابة التابع لإدارة المعرض. وأكد علي العقباني، مدير «مكتبة الأسد» (الهيئة الراعية للمعرض)، أنّه «لم يُمنع أي كتاب أو عنوان، بغض النظر عن محتواه أو طبيعته الفكرية أو العلمانية أو الدينية. والعناوين التي مُنعت هي الروايات أو الكتب التي تطال شخصيات أو أسماءً معروفة بطريقة مسيئة ومباشرة».
لكنّ صاحب دار «التكوين» سامي أحمد، الذي امتنع عن المشاركة، يؤكد أن الكتب الممنوعة بلغ عددها 400. «لقد أسهم القائمون على معرض الكتاب في إفراغ هذا الحدث من محتواه الفكري والثقافي، لأنّهم كانوا وما زالوا يتعاملون مع الحدث كأنه معرض للأقمشة أو مستحضرات التجميل أو غيرها من المنتجات الاستهلاكية» يقول أحمد.
وبعد زياراته الخاطفة لمدينة المعارض، خرج الروائي السوري فواز حداد بانطباع سلبيّ: «بدا المعرض كأنّه أقيم على هامش الحياة الثقافية بشكل كامل. شعرت كأنّني في كوكب آخر بعيد عن سوريا». وعن غياب الفعاليات الثقافية المرافقة للمعرض في دورة هذه العام، أضاف: «أعتقد أنّ غياب هذه الفعاليات فرضته الأجواء العامة التي نعيشها اليوم، ولو طلب مني المشاركة في أي من هذه الأنشطة، كنت سأعتذر بشكل قاطع، وأرفض المشاركة. الحدث الأبرز الذي نعيشه الآن في الشارع يفرض نفسه على جميع الأنشطة الثقافية، مهما كانت مهمة أو استثنائية».
من جهته، يذهب الروائي السوري خيري الذهبي أبعد في تحليلاته، بشأن عزوف القراء عن زيارة المعرض. فهو يحمّل المسؤولية للجهات الثقافية الرسمية، ومن ضمنها «اتحاد الكتاب السوريين» الذي أسهم «في تصدير وخلق كتّاب يراعون دائماً المساحة التي يسمح بها النظام والرقابة. وهذا ما كرّس قطيعة بين القرّاء والكتاب، بات يصعب ردمها بسهولة».



«معرض مكتبة الأسد الدولي للكتاب»: حتى مساء غد ــــ «مدينة المعارض» (دمشق ــــ طريق المطار).