القاهرة | عند انطلاق بثها التجريبي قبل أشهر، عانت فضائية «مصر 25» من تناقض في تصريحات «الإخوان المسلمين». ولم يخرج موقف واضح من الجماعة بشأن ملكيتها للمحطة.
لكن اليوم قد تصبح الجماعة أكثر حسماً في هذا الموضوع، في نتيجة غير مباشرة لإغلاق مكتب «الجزيرة مباشر مصر». ما سبق يبدو أشبه بلغزٍ إعلامي وسياسي، يتوزع تفسيره على عدد من مشاهد مصر ما بعد الثورة. جماعة «الإخوان المسلمين» التي عُرفت بأنها أكبر جماعات المعارضة المصرية وأكثرها تنظيماً، وكانت آخرها انضماماً إلى «ثورة النيل»، عبّرت كغيرها من الجماعات السياسية عن طموحات إعلامية كثيرة لزمن ما بعد التغيير. ها هم «الإخوان المسلمون» بعد إطاحة حسني مبارك يكشفون عن أحلام إعلامية كبرى، تشمل صحفاً، وقنوات، بل شركات إنتاج. لكن التفاؤل الذي شاب الأيام الأولى بعد سقوط النظام، حلّ محلّه الحذر ومكافحة الألغام التي تركها العهد الماضي، إلى جانب مقاومة جهات يهمّها بقاء الوضع على ما كان عليه، أي باختصار: ثورة مضادّة تحاول كبح التغييرات التي تسارعت في الأسابيع الأولى. من هنا، تمهّل «الإخوان» واكتفوا بتأسيس حزبهم «الحرية والعدالة»، وإطلاق «مصر 25» التي قال عنها القيادي الإخواني عصام العريان، إنها «ليست ناطقة باسم «الإخوان»». وجاء هذا التصريح رغم أن المحطة مملوكة لبعض المستثمرين المنتمين إلى الجماعة. وحتى الساعة، فشلت القناة في تحقيق صدى حقيقي في الشارع المصري. وبدا أن «الإخوان» غير متفرّغين لاستكمال مشروعهم الإعلامي، بل قرروا الانتظار إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية كي تتضح صورة المشهد السياسي.
أما على الجبهة الإلكترونية، فقد أوقعهم موقعهم الرسمي «إخوان أون لاين» في خلافات مع التيارات الأخرى، ما أدى إلى استقالة رئيس تحرير الموقع عبد الجليل الشرنوبي احتجاجاً على تصريحات للعريان انتقد فيها المستوى المهني للموقع. مما يكشف عن افتقار الجماعة إلى الكفاءات الإعلامية، مقارنة بخصومها في التيار الليبرالي، بل حتى فلول النظام القديم.
لكن إعلام الجماعة ليس محصوراً بمؤسساتها. أشار مراقبون إلى علاقة «تفاهم» واضحة مع «الجزيرة مباشر مصر» التي بدأت البث في آذار (مارس) الماضي. ثم أغلقت السلطات مكتبها قبل أيام بحجة عدم امتلاك ترخيص. الفضائية التي قدمت أداءً متميزاً، اتُّهمت بتعاطفها مع «الإخوان»، وتبنّيها مواقفهم، وخصوصاً في تغطية المليونيات في ميدان التحرير. وبلغ الانتقاد ذروته في يومَي التظاهر في 27 أيار (مايو) و8 تموز (يوليو) الماضيين؛ إذ كادت المحطة تتماهى مع موقف الجماعة المقاطِع للمليونيتين. واستضافت وجوهاً من «الإخوان المسلمين» للتعليق ـــــ السلبي طبعاً ـــــ على التظاهرات. لكن الواقع أن ذلك لا يقتصر على المحطة الوليدة. تعاطف القناة الأم في الدوحة مع الجماعة معروف وراسخ. وتغطية شبكة القناة القطرية لنشاط «الإخوان» يمتزج فيها الانتماء الإيديولوجي لبعض القائمين على المحطة مع حقيقة أنّ الجماعة هي المعارضة الأكبر والأكثر تنظيماً في مصر. وبالتالي كان طبيعياً أن تزداد مساحة تغطيتها في قناة مخصصة لمصر كما هي حال «الجزيرة مباشر مصر»، وإن كان ذلك لا يبرّر تبنّي الموقف السياسي للجماعة.
على أي حال، الجماعة الآن لا تستطيع الاعتماد إلا على نفسها إعلامياً بعد فقدان «الجزيرة مصر». وسواء أكانت القناة قد منحتها اهتماماً خاصاً على حساب الآخرين، أم حتى إذا عُدّ اهتمام القطريين بها طبيعياً، فالمؤكد أن الهجمة الحكومية على الفضائيات المصرية والأجنبية، ستخفض من مستوى «الإعلام» في الأزمة برمتها وسترفع مستوى السياسة.