القاهرة | منذ الاستفتاء على تعديل الدستور قبل أشهر، تلوّن كل شيء في المشهد المصري وفقاً للاستقطاب الإسلامي/ الليبرالي، كل شيء عدا... السينما. في موسم عيد الفطر الذي كان أول موسم حقيقي منذ «ثورة 25 يناير»، كانت السيادة للكوميديا. لكن الفيلم الذي اكتسح شباك التذاكر قد يخجل مؤرخو الفن السابع في مصر من مجرد ذكره: إنّه «شارع الهرم» الذي خرجت دعاوى لمقاطعته قبل بدء عرضه؛ لأنه من بطولة الثنائي سعد الصغير والراقصة دينا اللذين لم يقدما خيراً لفنّ السينما.
ظن كثيرون أنّ الشريط سيلحق بالمصير البائس الذي لقيه فيلم «الفيل في المنديل» لطلعت زكريا الذي كان أكثر الفنانين تعرّضاً للهجوم بسبب تصريحاته ضد ثوّار الميدان. أما «شارع الهرم»، فلا علاقة لأبطاله بأي موقف من الثوار. الهجوم عليه بدأ منذ تسربت إعلاناته التي بشّرت بالكوميديا المبتذلة ذاتها التي اعتدناها في أعمال سعد الصغير ودينا.
على أي حال، كُتب لمخرج «شارع الهرم» محمد الشوري أن يتخطّى ما حقّقه أكبر نجوم السينما المصرية عبر تاريخها الطويل من إسماعيل ياسين إلى عادل إمام. لقد سجّل في ثاني أيام العيد إيراداً بلغ مليونين وربع مليون جنيه، وهو الرقم الأعلى في يوم واحد خلال قرن من السينما المصرية، ثم حقّق 7 ملايين جنيه في الأيام الخمسة التي تمثل إجازة العيد.
لكن ما علاقة ذلك بحديث الاستقطاب في الشارع المصري؟ وسط صعود القوى الإسلامية بعد ثورة النيل، راقب بعضهم بتخوف ما قد تمثله قصة الفيلم (كتبها سيد السبكي) من استفزاز لتلك القوى أو جمهورها. الفيلم قائم على انتقال الراقصة عزيزة (دينا طبعاً) من فرقة للرقص الشعبي إلى الرقص في كباريه في شارع الهرم، بينما يحوم حولها ثلاثة رجال أحدهم طبال (سعد الصغير).
مع ذلك، لم تنطلق دعاوى المقاطعة بدايةً من تلك القوى، ربما لأنها لا تتابع السينما. بل تبنت الحملة قوى شبابية شاركت في الثورة، وتبحث عن سينما «هادفة» تعبّر عن التغيير في مصر. كان موقفاً من الابتذال لا موقفاً أخلاقياً بالمطلق. لكن الجمهور الذي لا يعرفه الإسلاميون ولا الليبراليون، حقّق للفيلم نجاحه الهائل بمعايير الشباك.
وفي ظل احتدام الحدث المصري، لم يجد أحد الوقت الكافي لتأمل تلك النتيجة التي لا يبررها تماماً غياب النجوم الأبرز مثل أحمد حلمي ومحمد هنيدي وعادل إمام.
لقد وجد بعضهم في إيرادات «شارع الهرم» نتيجة تتنافى وادعاءات التيارات السلفية بأنّها تمتلك الشارع برمته. ووجد آخرون في الإيرادات نفسها، دليلاً على أنّ الذوق العام يحتاج إلى الكثير من الجهد الفني كي «يتحسن». بين هذا وذاك، استقرّ رأي لا علاقة له بالنقد ولا بالسياسة مفاده أنّ موسم الفطر قابل جمهوراً اشتاق إلى السينما، وكان ذلك من حظّ «شارع الهرم».