دايفيد غروسمان كاتب «يساري ـــ علماني ـــ صهيوني»، لا بدّ لكلّ هذه الكلمات من معنى في النهاية. لقد أطلّ في الإعلام الفرنسي ممجداً بلده، ومتأسّفاً على «السلام» الصعب، في مناسبة صدور ترجمة أحدث رواياته في باريس، «امرأة هاربة من الخبر» (٢٠٠٨). استعملت بالعربيّة كلمة «بشارة» التي تناقض المعنى، فبطلة غروسمان تنتظر «خبر» ابنها المجنّد في الجيش الإسرائيلي. كان غروسمان بدوره ينهي روايته تلك، حين جاءه خبر ابنه المجنّد في «تساهال»، خلال الساعات الأخيرة لعدوان تمّوز.
هذا الموقف التراجيدي، يلخّص معاناة الإسرائيلي المهدّد، والضحيّة الدائمة للهمجيّة العربيّة. صاحب «الهواء الأصفر» (الكتاب الذي ألصق به صفة «التقدّمي»)، كان قد أيّد الحرب على لبنان، ثم طالب بوقفها مع عوز ويهوشفاع في أيّامها الأخيرة. مصلحة إسرائيل في مواجهة القتلة والأشرار، كانت دائماً الدافع والمعيار. سبق لنائل الطوخي، الكاتب والمترجم المصري الملمّ بالأدب الإسرائيلي، أن لفت النظر إلى هذا الفصام لدى غروسمان بين الصهيوني المتمسّك بتفوق عرقه، والتقدّمي الذي يدعو إلى الحوار والسلام. وانتقد جلعاد عتصمون، الموسيقي والكاتب الإسرائيلي العادل، ذلك «اليساري» المؤمن بخصوصية الشعب المختار، وبـ«الحتمية البيولوجية»! حين سقطت ابنة نوريت بيليد في عمليّة انتحاريّة في القدس (١٩٩٧)، حمّلت المسؤوليّة للحكومة الإسرائيليّة، ومنعت نتنياهو وجنرالاته من المشاركة في المأتم. أما ابن آفي مغربي، ففضّل السجن على الخدمة العسكريّة. غروسمان شارك مجنّداً في اجتياح لبنان عام ١٩٨٢، ثم عاود ابنه الكرّة في تمّوز ٢٠٠٦. أوري لم يرجع، صار جرحاً في ضمير والده.