ماذا نعرف عن القصة الإيرانية المعاصرة؟ ما هي تياراتها الأساسية وأهم التجارب فيها؟ الإجابة هي: «لا شيء» تقريباً. نعرف الكثير (أو القليل) عن الشعر الإيراني، سواء القديم منه كحافظ وسعدي والرومي والفردوسي، أو الحديث مثل أحمد شاملو ونيما وفروخ فرخ زاده. ونعرف أيضاً عن السينما الإيرانية وأهم مخرجيها: عباس كياروستامي، ومحسن مخملباف، وجعفر بناهي ومجيد مجيدي. لكن معرفتنا بفنون السرد، وخصوصاً القصة القصيرة تكاد تكون معدومة. ربما سمع بعضنا باسم صادق هدايت (1902 ـــ 1951)، وخصوصاً روايته «البومة العمياء» التي تُرجمت إلى العربية ولغات أخرى كثيرة. لكن معرفتنا لا تتجاوز اسم هذا الرائد الكبير الذي انتحر في باريس، وعدّه الدارسون والنقاد الأب الحقيقي للقصة الإيرانية الحديثة.في كتاب «نافذة على القصة القصيرة الفارسية الحديثة» (المؤسسة العربية للدراسات والنشر)، يعرِّف الكاتب والمترجم العُماني إحسان بن صادق القارئ العربي إلى الأشكال والحساسيات السردية التي تعاقب القصاصون الإيرانيون على كتابتها.
حاول المترجم تقديم تمثيل حقيقي لنشوء فن القصة وتطورها في إيران. وازن بين كتّابها الذكور والإناث (سبعة مقابل اثنتين). ترجم لكتّاب يمثلون التطور النقدي والزمني الذي اتُّفق على تقسيمه إلى أربعة أجيال، فاختار صادق هدايت من الجيل الأول، ومن الجيل الثاني: إبراهيم كليستان (1942)، نادر إبراهيمي (1936)، هوشنك كلشيري (1937)، ومن الجيل الثالث: علي خدايي (1958) مهدي شجاعي (1960)، ومن الجيل الرابع أو جيل الشباب: فروزنده عز الدين (1960)، ونصرت ماسوري وموسى عليجاني.
في مقارنة سريعة، تبدو قصص الجيلين الأول والثاني أقرب إلى فن القصة المكتملة العناصر، ونجد تأثيرات واضحة من موباسان وفوكنر وهمنغواي، إضافة إلى حضور مكثف للأسئلة الوجودية والعبثية التي ميزت خمسينيات القرن الماضي وما تلاها، بينما تسود طموحات تجريبية لدى الجيلين الأخيرين اللذين عاشا تجربة الثورة الإسلامية. انطباع أولي مماثل لا يعني تفوقاً بديهياً للأبناء والأحفاد على الآباء المؤسسين.
نجد أن فرادة صادق هدايت لا تزال تنبعث من قصته «لاله» التي تروي بأسلوب مدهش صراعاً عاطفياً لرجل مكتهل مع غجرية خرساء. ونجد تجريبية مبكرة في قصة «السمكتان» لكليستان الذي تنتهي دهشة بطله حيال الحركات المتطابقة لسمكتي الأكواريوم باكتشافه أنّهما سمكة وصورتها في الزجاج. ونجد استثماراً ذكياً للأعراف القروية في قصة «الصوت المتلوي» لإبراهيمي، بينما يروي كلشيري حكاية ميتا ـــ واقعية تنقاد فيها امرأة إلى براثن ذئب. مع قصص الجيلين الأخيرين، يتفتت الجسم السردي لمصلحة هواجس تتلاءم مع حياة أكثر حداثة، وعلاقات اجتماعية غير متجانسة. في قصة «فليأتِ أحد ويأخذني»، يقود شجاعي بطله ـــــ الكاتب إلى الانتحار بسبب تجاهل النقاد والقراء لـ«موهبته». تحضر الحرب الإيرانية العراقية بنحو موارب في قصة «الواحة الناقصة» لماسوري. وفي «مدينة الملاهي» يروي علي خدايي لقاءً بين رجل وامرأة على هامش حياتهما الزوجية المضجرة.
أخيراً، لا بد من ملاحظتين: تثمين نقل القصص من الفارسية مباشرة، وضرورة إخضاعها لمراجعة كانت كفيلة بتقوية النصوص في نسختها المعرّبة.