قصيدة علي نصّار، جوانية، تحفر داخل الذات لتُخرج صورها ومفرداتها واحتمالات سردها. لا نجد في معجم هذا الشاعر والموسيقي اللبناني الكثير من المفردات اليومية والعابرة، إلا في ما ندر. ثمة إصرار عند صاحب «وهم إضافي» على بناء نص يستقر في مخيلة القارئ وينبش أسئلة وجودية ذاتية يغلب عليها طابع اليأس والهزيمة الفردية.في ديوانه الجديد «سقط سهواً» (الفرات)، يبذل نصّار جهداً أسلوبياً ولغوياً وشعورياً واضحاً ليقلّص المسافة بين القصيدة وموضوعها. لا تبقى تلك القصيدة حاملاً تعبيرياً لأفكار معينة بقدر ما تنتشر في داخل بنائيتها، مناخات وأجواء قاتمة نستدل من خلالها على حالات يعيشها كل واحد منا في حياته اليومية وتمتلئ بالوهم والتعب والإفلاس الوجودي. يقول في قصيدة «ساحة رقص»: «هكذا/ راقصاً في الدقائق الأخيرة/ الدقائق الأخيرة من ليلة أخرى/ امرأتي زجاجةٌ لا تبخل بخمرها/ فلا أبخل بعمري/ كالقمر في متاهة السماء/ يستهلك الضوء ويبيع الشمس عتمته/ أستهلك الوهم/ وأبيع الحقائق جهلي.../ أبيعها شعراً/ غناءً/ أطنان من حنين».
عبر ديوانه الموزع على أربعة أقسام («ثياب الوهم»، «عنب الروح»، «هوامش»، «وصايا الهامش»)، أراد نصّار أن يكشف عالمه الداخلي، ويعري ما تراكم من خبرات وتجارب حياتية حوّلت الأسئلة الوجودية في هذا العالم الشخصي إلى معان شائكة، تتمرغ بالالتباس والعبث. يقول في قصيدة «مفعول رجعي»: «وبالخطايا السُّمر/ بالقبلات/ رمّمي عفن الليالي/ بلسمي آثار الذئاب/ فأنا مفلس/ مفلس/ كديكتاتور سقط/ كآدم قبل تشكُّل حوّاء». نلحظ في بعض المقاطع الصغيرة إعادة تعريف للمفاهيم والمعاني وصوغ فلسفي لجوهرها، فيصبح «السقوط اعتراض متأخر على الضعف» والتاريخ «ليس ما يمضي/ التاريخ ما يبقى». يحاول صاحب « دفء في شارع الحمرا» إدخال الأشياء والمفاهيم والمعاني إلى نسيجه الشعري وإعادة إنتاجها وفقاً لحساسيته المعرفية ورؤيته الخاصة.
صحيح أن نصّار يتكئ على تقنيات أسلوبية مختلفة لإنجاز نصه، ينتمي معظمها لأدوات متداولة في كتابة قصيدة النثر، لكن هذا الشاعر الذي قدّم في حقل الموسيقى الكثير من الأسطوانات المميزة مثل «تطبيع»، يرسم خطه الخاص في كتابة القصيدة. يستميل جميع التقنيات المستخدمة إلى عالمه ويؤقلمها معرفياً بما يتناسب مع تقديم أفضل التعبيرات الشعرية لهذا العالم المتعب.