القاهرة | لم يمرّ القرار الأخير الذي أصدره مجلس الوزراء المصري على خير. خرجت أصوات تعدّه «عودة إلى عهد (حسني) مبارك». وكانت الحكومة قد أعلنت أول من أمس سلسلة من القرارات المتعلّقة بالساحة الإعلامية «هدفها مواجهة حالة الانفلات الإعلامي»، كما قال وزير الإعلام أسامة هيكل.وأبرز ما جاء في هذه القرارات هو «وقف مؤقت لمنح تراخيص لأي فضائية مصرية جديدة»، و«تكليف الهيئة العامة للاستثمار باتخاذ الإجراءات القانونية ضد الفضائيات المثيرة للفتن، والمحرِّضة على أعمال العنف والشغب، التي تتسبب في زعزعة الأمن والاستقرار في هذه المرحلة الحساسة والحرجة من تاريخ مصر». ولا شكّ في أنّ القرار الثاني بدا أكثر إزعاجاً من الأوّل، إذ إن عدد طالبي تراخيص تأسيس فضائيات قليل حالياً، كما أن هناك حلولاً بديلة للالتفاف على هذا القرار إذا استمرّ تطبيقه فترة طويلة، إذ يمكن مثلاً شراء تراخيص من قنوات موجودة في الأساس، ولا تعمل حالياً.
أما القرار الثاني، فينطوي على نحو واضح على إمكان قيام «هيئة الاستثمار» ـــــ الجهة الحكومية التي تعطي التراخيص ـــــ بوقف بث أي قناة بحجة مخالفتها القوانين. ويعرف كل المصريين جيداً أن هذه الهيئة تعمل منذ أكثر من عشر سنوات، بعيداً عن الشفافية. هكذا لم تعرض لو مرة واحدة المعايير التي تعتمدها لوقف بثّ هذه القناة، والسماح لأخرى بمواصلة عملها. حتّى عندما حصلت «مذبحة الفضائيات الدينية» في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، بدت مبررات الهيئة واهية، وبعيدة عن المنطق. وبالتالي، فإن كل القرارات التي تصدر عن تلك الهيئة لها صبغة سياسية. مما يعني إمكان تلقّي أي محطة مصرية إنذاراً بالإقفال، أو إقفالها من دون علم مسبق في حال بثها برنامجاً أو تقريراً يُعدّ مسيئاً أو مهيناً أو مستفزاً لأصحاب القرار في مصر حالياً. والمفارقة أن قرارات مواجهة ما سُمّي الانفلات الإعلامي تزامنت مع قرارات أخرى لمواجهة الانفلات الأمني في محاولة تحمل طابعاً «مباركياً» لربط ما يحدث في الشارع من بلطجة وسرقات وجرائم بما يدور على شاشات الفضائيات. كأن الرقابة على الفضائيات المصرية، والتوقف عن انتقاد رجال الشرطة، سيعيدان الأمن إلى الشارع. وهو الشارع نفسه الذي يدرك جيداً أنّ هناك شبه عقاب جماعي يفرضه عليه فريق يريد إقناع المواطنين بأن كل مآسيهم الحالية سببها الثورة.
وجاءت القرارات الأخيرة أيضاً ليتزامن تطبيقها مع مليونية «تصحيح المسار» اليوم الجمعة في ميدان التحرير. وبناءً على تغطية الفضائيات المصرية لما يجري على الأرض ستكتمل الصورة: هل تستجيب القنوات للتهديدات وتتعامل مع المليونية المتوقع نجاحها كحدث عابر حتى لا يصل صداها إلى الجالسين في البيوت؟ أم تتحدى القرارات اعتماداً على دعم الجمهور الذي أطاح نظام مبارك، ولن يتراجع أمام قرارات تعيد إحياء هذا النظام؟